شهد عام 2022، الذي انطلق فيه العدوان الروسي على أوكرانيا، لحظة فارقة في تاريخ الرياضة العالمية، حين أعلنت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تأييدها الصريح لأوكرانيا.

لم يكن هذا مجرد بيان دبلوماسي عابر، بل كان تجسيدًا واضحًا لتداخل السياسة في قلب الرياضة الأكثر شعبية في العالم، مما أثار جدلًا واسعًا حول مبدأ حياد الملاعب الذي لطالما كان شعارًا مرفوعًا.

اتخذت الرابطة قرارها في خطوة متزامنة مع الحكومات الغربية، وتجلّت مظاهر هذا الدعم بشكل لم يترك مجالاً للشك في طبيعته السياسية، ففي مباريات الدوري، ارتدى اللاعبون شارات تحمل ألوان العلم الأوكراني، وعُرضت على شاشات الملاعب رسائل تضامن، كما تم استبدال الشعار المعتاد للبريميرليج على قمصان اللاعبين بشعار يحمل رسالة دعم، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اتخذت الرابطة خطوة اقتصادية بإنهاء عقد الرعاية الضخم مع إحدى الشركات الروسية التابعة للدولة، في رسالة مباشرة وعلنية بأن كرة القدم لم تعد بمعزل عن التوترات الجيوسياسية.

ونصّت دساتير الاتحادات الدولية على ضرورة فصل الرياضة عن السياسة، مؤكدةً على أن الأهداف السامية للرياضة تتمثل في توحيد الشعوب لا تقسيمها، وقد اعتبر كثيرون أن خطوة الدوري الإنجليزي تمثل خرقًا لهذا المبدأ، حيث حوّلت الملعب من ساحة للمنافسة الرياضية إلى منبر للتعبير عن موقف سياسي موحّد مع دول ومنظمات بعينها.. ومع ذلك وقفت فيفا دون تدخل في هذا الأمر.

ورأى مؤيدو هذا الموقف أن الأمر لم يكن "تسييسًا" بقدر ما كان "موقفًا أخلاقيًا" ضد عدوان عسكري، وأن الصمت في مثل هذه الحالات يعد تواطؤً؛ لكن هذه الحجة سرعان ما قوبلت بانتقادات حادة وازدواجية المعايير، حيث هاجمت الصحافة العربية هذه المواقف خاصة وإنها لا تظهر عندما يكون الأمر متعلق بدولة عربية.

هذا الجدل يكشف حقيقةً لا يمكن تجاهلها؛ وهي أن الحدود بين الرياضة والسياسة قد تلاشت إلى حد كبير.. فالملاعب لم تعد مجرد مساحة خضراء، بل أصبحت ساحات تتأثر وتؤثر في العلاقات الدولية، وتُستخدم أحياناً كأدوات للدبلوماسية أو حتى كرموز للتضامن والرفض.

ويظل قرار رابطة الدوري الإنجليزي بمثابة علامة فارقة تؤكد أن الرياضة، في العصر الحديث، لم تعد قادرة على الانفصال عن القضايا الكبرى في العالم، وأن مبدأ الحياد قد أصبح تحت الاختبار في كل مرة يشهد فيها العالم أزمة جديدة.