في سجل الصراعات الأهلية، نادرًا ما نجد لحظات يلتقي فيها شغف الجماهير بالرياضة، وتحديدًا كرة القدم، مع جهود بناء السلام بشكل مباشر. لكن ديدييه دروجبا، نجم منتخب كوت ديفوار وأحد أبرز رموز كرة القدم الأفريقية، قدّم للعالم مثالًا فريدًا على كيف يمكن للرياضة أن تكون جسرًا نحو التفاهم والوحدة في بلد مزقته الحرب.
منذ عام 2002، كانت ساحل العاج غارقة في حرب أهلية شرسة، قسمت البلاد إلى شمال يخضع لسيطرة المتمردين وجنوب تحكمه الحكومة. هذا الصراع تسبب في مآسٍ إنسانية واسعة، من تهجير الملايين وسقوط آلاف الضحايا، إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والطائفية. وعلى الرغم من محاولات متكررة لإنهاء الأزمة سياسيًا، فإن طريق السلام ظل مليئًا بالعقبات.
وفي عام 2005، وبينما كان النزاع لا يزال قائمًا، أحرز منتخب كوت ديفوار إنجازًا تاريخيًا بالتأهل لأول مرة إلى نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا. في لحظة فرح نادرة وسط الحزن، تحولت هذه المناسبة إلى ما هو أكثر من مجرد إنجاز رياضي.
بعد الفوز الحاسم على منتخب السودان، وفي غرفة ملابس تعمّها الفرحة، قام ديدييه دروجبا، محاطًا بزملائه، بمبادرة غير مسبوقة. أمسك بالميكروفون وتحدث مباشرة إلى شعبه عبر شاشة التلفزيون الوطني، وهو راكع على ركبتيه مع أعضاء الفريق. قال كلمات مؤثرة ستظل محفورة في ذاكرة الإيفواريين: "رجال ونساء ساحل العاج، من الشمال والجنوب والوسط والغرب، لقد أظهرنا اليوم أن أبناء هذا الوطن قادرون على التعايش والعمل معًا من أجل هدف واحد.. لقد وعدناكم أن الانتصار سيقرّب بين الناس، واليوم نناشدكم، من فضلكم.. ألقوا أسلحتكم، وأقيموا الانتخابات، فالوطن يستحق أن يعيش في سلام."
لم يكن هذا النداء مجرد لحظة عاطفية، بل حمل تأثيرًا فعليًا. فقد رأى فيه كثيرون نموذجًا حيًا للوحدة الوطنية، تجسد في فريق يضم لاعبين من مختلف المناطق والخلفيات، متجاوزين خلافاتهم من أجل هدف مشترك. رسالتهم كانت واضحة: إذا أمكن لهؤلاء الشباب أن يتحدوا من أجل بلدهم، فلماذا لا يستطيع الجميع ذلك؟
وبالفعل، بدأت ملامح التغيير تظهر. فقد أعادت دعوة دروجبا الأمل إلى محادثات السلام المتوقفة، وتم التوصل في عام 2007 إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، في خطوة فُهم على نطاق واسع أن مبادرة دروجبا ساهمت في تمهيد الطريق لها.
ولم يتوقف دور النجم الإيفواري عند تلك اللحظة الرمزية، بل واصل التزامه بالسلام والمصالحة. ففي العام ذاته، ساهم في إقامة مباراة للمنتخب في مدينة بواكيه، أحد معاقل التمرد سابقًا، حيث امتلأت المدرجات بجماهير من مختلف الأطراف، اجتمعوا ليهتفوا لفريق واحد، تحت علم واحد.
لاحقًا، تم تعيين ديدييه دروجبا رسولًا للسلام من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، واستمر في استثمار شهرته وجهوده لدعم التنمية والتعايش السلمي في بلده الأم.
بهذا، لم يكن دروجبا مجرد نجم فوق المستطيل الأخضر، بل أصبح رمزًا للأمل، وصوتًا للحكمة، وأحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن للرياضة أن تفتح طريقًا نحو السلام، حين تعجز السياسة عن ذلك.