وسط أجواء سياسية مشحونة تسبق انتخابات مجلس الشيوخ 2025، أُثيرت تساؤلات عديدة حول خلفية أحد المرشحين بدائرة بني سويف، وهو المهندس إسلام كمال، الذي يخوض السباق على المقعد البرلماني تحت الرمز الانتخابي "الفيل"، منشورات قديمة نُسبت له على مواقع التواصل الاجتماعي الجدل حول مدى تطابق أفكاره السابقة مع متطلبات الدور الوطني لممثل في مجلس الشيوخ.


محررة "خمسة سياسة" أجرت مراجعة دقيقة لأرشيف حساب "كمال" على موقع "فيسبوك"، رصدت خلالها نمطًا متكررًا من التدوينات القديمة التي تحمل دلالات سياسية، تشير إلى وجود تعاطف سابق مع شخصيات وتيارات ذات خلفيات إسلامية، بل وأحيانًا هجومية على مؤسسات الدولة.

من أبو إسماعيل إلى مرسي.. مواقف مثيرة للجدل


المنشورات التي تعود إلى الفترة بين 2012 و2018، تضمنت ما يبدو دعمًا مباشرًا لبعض رموز التيار السلفي، مثل حازم صلاح أبو إسماعيل، بالإضافة إلى تعبيرات احتفالية بقرارات اتخذها الرئيس الأسبق محمد مرسي، كتغيير قيادات بالمؤسسة العسكرية، فضلًا عن عبارات اعتبرها البعض تبنّيًا لسردية الجماعة في وصفها للصراعات السياسية آنذاك.

نقد لمؤسسات الدولة ومغازلة للخطاب الإخواني؟


في مراحل لاحقة، تظهر منشورات أكثر حدة، ينتقد فيها "كمال" القضاء المصري، ويتحدث عن "الظلم" في الأحكام، مع استخدام عبارات اعتُبرت "جارحة" في وصف الدولة. كما تداول تدوينات يتعاطف فيها مع شخصيات متهمة بالانتماء لتنظيمات محظورة، معتبرًا أن التهم ملفّقة. كل ذلك يطرح علامات استفهام حول التوجّه السياسي الحقيقي للمرشح.

هل تغيّر إسلام كمال؟


بالبحث في هذه التدوينات تنتهي عند حدود عام 2018، ومنذ إعلان ترشحه، لم يصدر عن كمال أي مواقف معلنة بشأن هذه المرحلة أو توضيحات حول ما إذا كان قد راجع مواقفه السابقة، فهل آمن بجهود الدولة ومساعيها في بناء الجمهورية الجديدة والمناخ الديمقراطي؟، هل يؤيد القيادة السياسية في مساعيه ونجاحاته السياسية والأمنية على مدار السنوات الماضية وكانت سببًا في تغير توجهاته؟.

 

دعم مُعلن لرموز التيار الإسلامي بعد ثورة يناير

في بداية الفترة التي يغطيها التحقق (2012 – 2018)، أظهر كمال توجهًا واضحًا نحو التيار الإسلامي، حيث نشر بتاريخ 4 أبريل 2012 اقتباسًا مطولًا من خطاب للمرشح السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، مقدّمًا إياه باعتباره ضحية مؤامرة ممنهجة لإقصائه من السباق الرئاسي، يشير هذا المنشور إلى ميل نحو دعم التيارات الدينية المتشددة التي كانت تتنافس بقوة في أعقاب ثورة 25 يناير.

وفي منشور له بتاريخ 25 يناير 2012، نشر كمال صورة لمحمد البرادعي أثناء زيارته لأسرة الشيخ عماد عفت، وكتب معلقًا: "دكتور البرادعي يقوم منذ قليل بزيارة أولاد الشيخ عماد عفت"، في إشارة تحمل تعاطفًا واضحًا مع البرادعي الذي وُصف مرارًا بأنه مقرب من دوائر الإخوان وداعم لمشروعاتهم السياسية رغم ما يلاحقه من اتهامات بالفشل والتسبب في الفوضى.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي 12 أغسطس 2012، تفاعل كمال بشكل ساخر مع خبر إقالة المشير طنطاوي من قِبل الرئيس المعزول محمد مرسي، وشارك صورة تحتفي بذلك القرار وكتب تعليقًا ضاحكًا: "هههههه كنا فاكرينه استبن أهو نفخنا"، في تعبير واضح عن تأييده لتمكين الإخوان من السلطة، واحتفائه بإزاحة قيادات المؤسسة العسكرية من المشهد.

خيبة أمل من مرسي... ولكن حزينة على "مشروع الجماعة"

في 5 ديسمبر 2012، مع تصاعد الاحتجاجات ضد الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي، عبّر كمال عن خيبة أمله مما وصلت إليه الأمور، وكتب: "مرسي يكتب السطور الأخيرة في نهايته التي لم تكن ابتدت... وجماعة الإخوان خسرت المعركة".

وعلى الرغم من أن المنشور يبدو نقديًا، إلا أنه يكشف بوضوح عن انتماء عاطفي لفكرة الجماعة، والأسف لخسارتها، لا رفضًا لنهجها.

أما في منشور آخر بتاريخ 3 نوفمبر 2015، فقد شارك كمال مقالًا من موقع "الشروق" للكاتب عماد الدين حسين بعنوان "نموذج عمرو الشوبكي"، مدافعًا فيه عن الشوبكي باعتباره "صوتًا حرًا" داخل البرلمان يُحارب من الدولة والإعلام والمرشحين لمجرد استقلاله، معتبرًا أن هذا الاستقلال يمثل خطرًا.

ويظهر من سياق المنشور أن كمال يتبنى خطابًا قريبًا من خطاب التيارات التي كانت تدافع عن تحالفات ضمت شخصيات محسوبة على الإخوان تحت شعار "الاستقلال".

هجوم متكرر على مؤسسات الدولة: قضاء.. أمن.. واقتصاد

في الفترة بين 2016 و2018، أخذت منشورات كمال منحى أكثر حدة، حيث بدأ في مهاجمة مؤسسات الدولة بشكل مباشر ولغة حادة، ففي 24 مايو 2016، هاجم النظام القضائي المصري، واصفًا أحكامه بأنها "ظالمة"، ثم ختم منشوره بعبارة مسيئة بحق الدولة: "بلد بنت حرام صحيح".

كما استمر في الانتقادات الاقتصادية، ففي 19 يوليو 2016، كتب منشورًا يعكس يأسًا وتشكيكًا في أداء الحكومة، مستخدمًا عبارات من قبيل: "والله الناس ما دريانة بالخراب اللي هنشوفه!!".

لكن الأخطر كان في 9 فبراير 2018، حين دافع بشكل مباشر عن شخص تم القبض عليه بتهمة الانتماء لتنظيم مسلح، واعتبر أن التهمة "جاهزة" فقط لأنه "إخوان"، وأشاد بأخلاق المتهم قائلًا إنه "يعرف ربنا"، وتفاعل مع التعليقات بدعوات للمتهم وتمنيات بالرحمة له، مع عبارات من نوعية "ربنا ينتقم من كل ظالم"، في تكرار فج لخطاب الجماعة الذي يشكك في مؤسسات الدولة ويبرر العنف السياسي.

ماذا يعني هذا التاريخ الفكري لمرشح يسعى إلى مقعد في مجلس الشيوخ؟

تفتح هذه المنشورات الباب أمام تساؤلات حقيقية حول أهلية المهندس إسلام كمال للترشح لعضوية مجلس الشيوخ المصري، وهو المجلس المعني بإثراء العمل التشريعي، وترسيخ دعائم الدولة الوطنية، إذ كيف يمكن لمرشح سبق له التعبير علنًا عن دعمه لجماعة محظورة قضائيًا، والتشكيك في مؤسسات القضاء والأمن، أن يشارك في صنع السياسات والتشريعات؟

من المفترض أن تكون عضوية مجلس الشيوخ حكرًا على من يحملون فكرًا وطنيًا ناضجًا، يعزز استقرار الدولة، ويحترم قوانينها ومؤسساتها، لا من يدافع عن جماعات سعت إلى إسقاطها وتفكيك بنيتها من الداخل.