في تطور يعكس استمرار هشاشة الوضع الأمني جنوب سوريا، اندلعت اشتباكات عنيفة مجددًا في محافظة السويداء بين مسلحين من البدو ومقاتلين من أبناء الطائفة الدرزية، وذلك بعد ساعات قليلة فقط من إعلان وزارة الداخلية السورية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار شمل إعادة انتشار أمني وعودة مؤسسات الدولة إلى المدينة.

وبحسب ما أوردته وكالة "رويترز"، شن مسلحون ينتمون لعشائر البدو هجومًا مباغتًا على مواقع خاضعة لسيطرة فصائل درزية مسلحة داخل المدينة، ما شكل خرقًا واضحًا للاتفاق الأخير، الذي تم بوساطة حكومية.

أسباب الأزمة.. إرث من التوترات والانقسامات

ترجع جذور الصراع في السويداء إلى تراكم طويل الأمد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، في ظل غياب حلول جذرية وفعالة. ومع تصاعد الأحداث خلال الأيام الماضية، باتت المدينة مركزًا لصراع مفتوح، حصد أرواح العشرات من المدنيين وخلف عشرات الجرحى، في وقت تسود فيه حالة من القلق والخوف بين السكان.

بشكل مفاجئ، انسحبت القوات الحكومية السورية خلال ساعات الليل من عدد من مواقعها داخل السويداء، ما أثار تساؤلات حول نوايا النظام وقدرته على ضبط الأمور. وتشير مصادر محلية إلى أن هذا الانسحاب جاء عقب جهود وساطة قادتها الولايات المتحدة، هدفت إلى إنهاء التوتر بين قوات النظام وبعض الجماعات الدرزية المسلحة، وهو ما أدى إلى إعادة رسم موازين القوى مؤقتًا في المدينة.

الرئاسة السورية تتهم إسرائيل وتتوعد برد صارم

في أول تعليق رسمي على التصعيد، وجه الرئيس السوري أحمد الشرع اتهامًا مباشرًا لإسرائيل، محملاً إياها مسؤولية تأجيج الفوضى، واتهمها بمحاولة تقسيم المجتمع السوري وخلق بؤر طائفية على الأرض. وأكد الشرع أن "حماية المكون الدرزي واجب وطني"، رافضًا السماح لأي جهة خارجية بادعاء تمثيلهم أو استغلالهم سياسيًا.

وأوضح الرئيس أن الدولة كلّفت قيادات محلية من مشايخ وعناصر من الفصائل الشعبية بالتعاون مع الجهات الأمنية لضبط الأمن، تفاديًا لأي احتكاك مباشر قد يزيد من تعقيد المشهد.

الغارات الإسرائيلية: رسائل عسكرية أم ذرائع سياسية؟

تزامنًا مع تفاقم الوضع في الجنوب، نفذت الطائرات الإسرائيلية ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية في العاصمة دمشق ومحيطها، بالإضافة إلى مواقع تابعة للجيش السوري جنوب البلاد. وبرغم عدم صدور بيان رسمي من الجانب الإسرائيلي، فإن تقارير إعلامية في تل أبيب زعمت أن الضربات جاءت في إطار "حماية الطائفة الدرزية"، وهو ما اعتبره محللون محاولة مكشوفة لتبرير التدخل وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في الملف السوري.

أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات

ورغم الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار، فإن المؤشرات على الأرض توحي بأن الوضع في السويداء ما يزال قابلاً للانفجار في أي لحظة. وتبقى قدرة الدولة السورية على فرض سيادتها وسيطرتها مرهونة بمدى استعدادها لتفادي الحلول العسكرية واعتماد مقاربات أكثر شمولاً واحتواءً، في وقت يزداد فيه خطر الانزلاق نحو فوضى قد تكون لها تداعيات إقليمية واسعة.