في الوقت الذي تشهد فيه الدولة المصرية حراكًا واسعًا لإعادة بناء الوعي الوطني واستعادة الريادة الثقافية، يقف وزير الثقافة الحالي، الدكتور أحمد فؤاد هنو، في قلب مشهد لا يخلو من الجدل، فبعد مرور عدة أشهر على تولّيه المنصب، تتصاعد التساؤلات حول مدى إدراكه لطبيعة الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه وزارة الثقافة، لا سيما في ظل قرارات أثارت انتقادات واسعة، مثل إغلاق مراكز ثقافية وغياب تواصل فعّال مع الوسط المثقّف.

فوسط حالة مفعمة بالانتقادات الشبه يومية للوزير، والقنابل الموقوتة على مائدته والتي لا يوجد لها حلول أو يتم تسويفها حتى ينساها الجمهور والمثقفين وأصحاب الشأن، يفتح هذا الباب أمام الوزير أحمد هنو، ماذا يجب أن يفعل في كل ما يدور حوله.

 أزمة القوى الناعمة وتسويقها في أكتوبر الماضي: 

 استقبل الوزير المطربة المصرية أنغام، واعدًا إياها وجمهورها، خلال لقاء رسمي بأجواء غير رسمية، بإقامة حفل كبير لها في دار الأوبرا المصرية، مشيدًا بدورها الكبير في المشهد الغنائي. إلا أن اللقاء جاء في وقت يتسم بحالة من التوتر والقلق إزاء تراجع دور مصر الريادي في مجالي الأدب والثقافة، وحتى اللحظة، لم يُقام الحفل، ولم يصدر أي تصريح رسمي بشأنه.

وبنفس منطق المبادرات، التقى الوزير في يونيو الماضي بالفنان محمد هنيدي، بحضور المخرج خالد جلال – رئيس قطاع الإنتاج الثقافي – لبحث إطلاق عروض مسرحية بعدد من المحافظات المصرية، على أن تكون البداية من محافظة الإسكندرية عقب الانتهاء من تطوير مسرح بيرم التونسي، لكن وحتى الآن، لم تُعلن الوزارة أي تفاصيل حول تلك المبادرة، أو آليات تنفيذها، أو المحافظات التي ستُدرج ضمنها.

فضلًا عن غياب المعلومات المتعلقة بمواعيد العروض أو مخصصاتها المالية، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى واقعية التنفيذ وجدية الخطط المطروحة. مسرح المحافظات... موجود أصلًا؟

وفي هذا الصدد قالت الناقدة المسرحية "منار خالد" أن هناك محاولة استهداف للمحافظات بشكل عام من قبل وزارة الثقافة، وبناء عليها تمت دعوة النجم محمد هنيدي لتقديم عروض بالمحافظات، وعلى الرغم من أن نية التواصل مع المحافظات نية طيبة، إلا أنه يبدو أن إدارة الأمر تحتاج إلى مراجعة، فـ"هنيدي"، لم يكن هو النجم الأجدر اليوم بتقديم كوميديا تشبه الشباب، واعتقد أنه من الأولى استقطاب الشباب كجمهور أصيل للمسرح، ونحن نمتلك ممثلين أجدر منه بذلك، وبخاصة شباب اليوم.

 وأضافت لـ"خمسةسياسة"، أنه على الوزارة قبل التوجه لإنتاج عروض مسرحية أن تنظر إلى بعض المسارح بالمحافظات والأقاليم التي تحتاج إلى صيانة وإصلاحات، حتى تتمكن من تقديم ما تريد عليها. منوهة إلى أنه، تم عرض مسرحية حاجة تخوف من إخراج خالد جلال في ختام مبادرة المهرجان القومي للمسرح المصري بالمحافظات، على الرغم من أن مسرح خالد جلال ربما لم يتميز فنيًا، لكنه له فضل كبير في تسليط الضوء على المواهب الشابة، لذلك عرضه بالمحافظات لا معنى له، فالقاهرة أولى به دائمًا كمركز يأتي إليه المخرجين والممثلين الذين يدعوهم مخرج العرض ليكرمهم ومنها يشاهدوا الشباب وتفتح لهم أبواب وفرص أكبر للنجومية، ومن باب أولى كان الأخذ بعرض شبابي أكثر تميزًا، ولم يمتلك أي فرص مقارنة بـ"حاجة تخوف".

قصور الثقافة وأزمة أماكن العرض من هذه النقطة

 يتضح أن الوزير لديه – نظريًا على الأقل – توجه نحو دعم مسرحيات نوعية في محافظات مختلفة، لكن لم يتم حتى الآن الكشف عن أماكن العرض، والتي يُفترض أن تكون قصور الثقافة في كل محافظة.

 وهنا تبرز الأزمة الأعمق، بقرار وزير الثقافة بإغلاق 123 قصرًا وبيتًا للثقافة في محافظات متعددة، بزعم أنها مستأجرة ولا تؤدي دورها المطلوب، في مقابل الترويج لفكرة "المسرح المتنقّل" كبديل، رغم تكلفته اليومية التي تصل إلى 70 ألف جنيه، في حين أن إيجار بعض البيوت لا يتجاوز 700 جنيه شهريًا.

 وهو ما حاول الوزير نفيه تارة وتبريره تارة أخرى، بأن مواقع هذه البيوت لا تتعدى الـ 9 أمتار، وهو ما جعل المهتمين والعالمين بالأماكن جيدًا يستنكرون تصريحات وزير الثقافة، مؤكدين أن ما تحدث عنه بهذه المساحة هي المكتبات الفرعية، وليست بيوت الثقافة. مما وضع الوزير في مأزق أكبر أمام عدم معرفته الدقيقة لما يريد إغلاقه وما يقصده بالكلام المعني.

انتقادات برلمانية وشعبية

 و قد تقدمت النائبة البرلمانية فاطمة سليم، بطلب إحاطة بمجلس النواب لوزير الثقافة أحمد هنو، عما صدر منه من قرار، لتؤكدلـ "خمسة سياسة"، أن هذا القرار إذا تم تنفيذه بما يراه الوزير سيقوم بهدم الكثير المواهب المصرية على مستوى المحافظات، وسنكون جميعًا أما ذنب جيل كامل وأجيال قادمة تم دفنها أحياء.

منوهة، إلى أن الوزير بهذا القرار لا يوجد له خطة واضحة لا للإغلاق ولا البدائل على المستوى الثقافي أو المهني أيضًا للعاملين بهذه البيوت، وماذا يعني بتوزيعهم على أماكن أخرى، فنحن أمام حالة من التخبط لا نعلم إلى أي مدى ستأخذنا.

 تجويف المحافظات... خطر أمني وثقافي

 وهو ما أكده محمد حسام منصور، أمين لجنة الثقافة والفنون بحزب الجبهة الوطنية بشبين القناطر، أن غياب قصر الثقافة في الكثير من المحافظات المصرية أدى إلى غياب كامل للوعي والثقافة في الكثير من المحافظات والتي أدت إلى خروج عناصر منضمة للجماعات المحظورة والإرهابية خلال السنوات الماضية.

وأضاف لـ"خمسة سياسة"، أن هناك على سبيل المثال بمدينة شبين القناطر يوجد بها فرقة شعبية عالمية لا تجد مسرح لتعرض به استعراضتها، بالإضافة إلى أن مع وضع قصر الثقافة في التطوير منذ سنوات أنشأ لدينا جيل كامل لا يعي معنى الدولة ولا الفنون ولا الثقافة، فما بالنا إذا تم إغلاق هذه القصور بشكل نهائي، وفي هذه الحالة نوجه سؤال للمسئول من يتحمل مسئولية تجويف هذا الجيل وما بعده وما قبله أيضًا.

وهو ما أكدته أيضًا الناقدة منار خالد في تصريحها لـ"خمسة سياسة"، بأن الدولة تحتاج إلى مؤسسات حقيقية على أرض الواقع لتقدم ورش وتفتح مسارح للهواة وتخلق بيئة إبداع، على أن يكون لها أماكن للعرض أدمية.