كرة القدم في البرازيل ليست مجرد رياضة، بل هي شريان الحياة الذي يتدفق في عروق الأمة، قميص المنتخب الوطني، "السيليساو" يمثل أكثر من مجرد فريق؛ إنه رمز للوحدة في بلد يعاني من انقسامات اجتماعية واقتصادية عميقة، هذا الشغف الوطني الجارف لم يكن غائبًا عن أعين السياسيين البرازيليين، الذين أدركوا مبكرًا أن الملاعب يمكن أن تكون ساحة معركة سياسية لا تقل أهمية عن البرلمان.

تُعد كرة القدم أداة فعالة في أيدي الحكومات، عندما يلعب المنتخب البرازيلي، تتلاشى الفوارق الطبقية والعرقية، ويتحد الشعب خلف هدف واحد، يستغل السياسيون هذا الشعور بالوحدة لتعزيز شعبيتهم وإظهار إنهم جزء من الشعب، ففوز المنتخب يصبح إنجازًا وطنيًا يُنسب للحكومة، بينما يمكن استخدام مباريات مهمة لتشتيت الانتباه عن الأزمات السياسية أو الاقتصادية، عندما تواجه الحكومة أزمة، يتم التركيز على مباريات المنتخب وإنجازات الأندية لتوجيه اهتمام الرأي العام بعيدًا عن المشكلات الحقيقية
.

تعتبر استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس العالم، فرصة ذهبية للسياسيين، فعلى الرغم من أن هذه البطولات تكلف مليارات الدولارات، إلا أنها تُقدم للشعب على أنها مشاريع وطنية تُظهر قوة البرازيل المتنامية على الساحة العالمية
.

كأس العالم 2014
: يعد هذا الحدث مثالًا صارخًا على الاستغلال السياسي، سعت الحكومة آنذاك لإظهار البرازيل كقوة اقتصادية قادرة على تنظيم حدث ضخم، ومع ذلك، أثارت التكاليف الباهظة للملاعب والبنية التحتية احتجاجات واسعة من المواطنين الذين طالبوا بإنفاق هذه الأموال على تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة، مما كشف عن الفجوة الكبيرة بين الأهداف السياسية للحكومة واحتياجات الشعب.

يتمتع لاعبو كرة القدم البرازيليون بشعبية هائلة وتأثير كبير على الرأي العام، يدرك السياسيون قوة هذه الرموز، ولهذا غالبًا ما يستعينون باللاعبين المتقاعدين أو النجوم الحاليين في حملاتهم الانتخابية لكسب التأييد
.

يعتبر المهاجمان السابقان للمنتخب، روماريو وبيبيتو، مثالًا حيًا على هذا التحول، فبعد اعتزالهما، دخلا عالم السياسة ونجحا في الحصول على مناصب رفيعة، مستغلين شعبيتهما الكبيرة من أيام لعبهما، وهو ما يعكس قوة كرة القدم في فتح أبواب السلطة
.

تتجاوز العلاقة بين السياسة وكرة القدم مجرد الاستفادة من شعبية اللعبة، فالتدخل المباشر في شؤون الاتحاد البرازيلي لكرة القدم
هو أمر شائع، حيث غالبًا ما يكون رئيس الاتحاد شخصية مقربة من الحكومة، هذه العلاقة الوثيقة أدت إلى تفشي الفساد وسوء الإدارة، مما أثر سلبًا على أداء المنتخب الوطني، وقد كشفت التحقيقات الدولية في قضايا فساد كبرى عن تورط مسؤولين في الاتحاد مع سياسيين، مما يؤكد أن كرة القدم ليست فقط أداة سياسية، بل هي أيضًا ساحة خلفية للمصالح الشخصية.