لم يكن مونديال 2022 في قطر مجرد بطولة كرة قدم عادية، بل كان حدثًا تاريخيًا بكل المقاييس، استضافت دولة عربية لأول مرة كأس العالم، لكن هذا الإنجاز لم يقتصر على الملاعب الخضراء والأهداف الرائعة، فقد كان خلف الكواليس قصة أخرى، قصة آلاف العمال الذين ساهموا في تحقيق هذا الحلم، وتركوا بصمة لا تُمحى على الإرث الإنساني للبطولة.

كانت التحديات ضخمة، في فترة زمنية قصيرة نسبياً، كان على قطر بناء بنية تحتية هائلة تشمل ملاعب عالمية المستوى، شبكات نقل متطورة، وفنادق فاخرة، هذه المهمة الجبارة لم تكن لتتحقق لولا الجهود المخلصة لآلاف العمال الذين عملوا ليل نهار في ظروف صعبة لضمان إنجاز المشاريع في الموعد المحدد، لقد كانوا القوة الدافعة خلف هذا المشروع الوطني.

لم يكن عملهم مجرد مهمة هندسية، بل كان بمثابة شهادة على قدرتهم على التحمل والإصرار، لقد حولوا الأراضي الصحراوية إلى صروح معمارية تليق باستضافة أهم حدث رياضي في العالم، هذه الجهود الجبارة لا يمكن إغفالها أو التقليل من شأنها، فهي أساس نجاح البطولة التي أبهرت العالم.

إدراكاً لأهمية حقوق العمال، اتخذت الحكومة القطرية وشركات الإنشاءات خطوات ملموسة لتحسين ظروفهم المعيشية والعملية، أُجريت إصلاحات واسعة النطاق على قوانين العمل، تضمنت إلغاء نظام الكفالة المثير للجدل، ووضع حد أدنى للأجور، وتوفير بيئة عمل أكثر أماناً وراحة.

هذه الإصلاحات لم تكن مجرد إجراءات مؤقتة للمونديال، بل شكلت إرثاً دائماً أكدت منظمة العمل الدولية أن هذه التغييرات هي الأكبر من نوعها في المنطقة، وأنها أثرت بشكل إيجابي على حياة مئات الآلاف من العمال، أصبح لعمال البناء حقوق أكثر، ومنها حرية التنقل وتغيير جهة العمل، مما أعطاهم قوة أكبر وحماية قانونية أفضل.

بعيداً عن الأرقام والإحصائيات، هناك قصص نجاح فردية تستحق أن تُروى، عمال جاءوا من مختلف أنحاء العالم، حاملين معهم أحلاماً وآمالاً لتحسين مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم.، من خلال عملهم في مشاريع المونديال، حصل الكثيرون منهم على فرص تعليمية وتدريبية، مما ساعدهم على اكتساب مهارات جديدة.

هذه المهارات لم تخدم فقط مشاريع كأس العالم، بل أصبحت رصيداً لهم يمكنهم استخدامه في بناء حياتهم المهنية بعد البطولة، لقد فتحت لهم أبواباً جديدة لم تكن لتُفتح لولا هذه الفرصة.

مونديال قطر 2022 كان قصة نجاح كروي وإنساني، رغم التحديات الكبيرة، استطاعت قطر أن تقدم للعالم بطولة استثنائية، وأن تثبت أن الرياضة يمكن أن تكون وسيلة للتغيير الإيجابي، إرث البطولة لا يقتصر على الملاعب والمباني، بل يمتد ليشمل تحسين حياة آلاف العمال، وهو ما يجعل هذا المونديال مختلفاً بحق.