لم يكن فوز الأوكراني ألكسندر أوسيك على تايسون فيوري مجرد نصر رياضي عابر، بل كان تتويجًا لمسيرة استثنائية، ورحلة بدأت من رياضة الهواة وصولًا إلى قمة الملاكمة الاحترافية.
أوسيك، الذي يطلق عليه لقب "القط"، لم يحصل على لقب بطل العالم في الوزن الثقيل بدون منازع بالصدفة، بل كان نتيجة إصرار لا يلين، وتكتيك فريد، وعقلية مقاتل حقيقي لا يعرف الاستسلام، لقد أصبح أوسيك أول ملاكم يوحد ألقاب الوزن الثقيل في عصر الأربع أحزمة، وهو إنجاز لم يتحقق منذ أن قام لينوكس لويس بذلك في عام 1999، ليدخل بذلك التاريخ من أوسع أبوابه.
ولد أوسيك في سيمفيروبول، القرم، وبدأ مسيرته في الملاكمة كهاوٍ، وحقق نجاحات باهرة، فاز بذهبية الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، بالإضافة إلى العديد من الألقاب الأوروبية والعالمية، كان هذا النجاح المبكر بمثابة الأساس الذي بنى عليه مسيرته الاحترافية، والتي بدأت في عام 2013، سرعان ما لفت أوسيك الأنظار في وزن الطراد بفضل أسلوبه المتقن الذي يجمع بين السرعة، والدقة، والذكاء التكتيكي.
لم يواجه أوسيك منافسة سهلة في طريقه إلى القمة. واجه ملاكمين أقوياء مثل أنتوني جوشوا، وديريك تشيسورا، وجميعهم كان لهم وزن كبير في فئة الوزن الثقيل، ومع كل نزال، كان يثبت أنه ليس مجرد ملاكم قوي، بل هو "عبقري تكتيكي".. قدرته على التحرك بسرعة في الحلبة، وتجنب اللكمات القوية للمنافسين، واستغلال نقاط ضعفهم، جعلت منه كابوسًا لأي ملاكم، في نزاليه ضد جوشوا، أظهر أوسيك قدرة مذهلة على السيطرة على إيقاع النزال، ونجح في التفوق على خصمه مرتين، ليثبت أنه القوة المهيمنة في هذه الفئة.
ما يميز أوسيك ليس قوته البدنية فقط، بل أيضًا شخصيته، على عكس بعض الملاكمين الذين يثيرون الجدل خارج الحلبة، يتميز أوسيك بالهدوء والتواضع، إنه أب وزوج مخلص، ويركز على عائلته وبلده، لقد أصبحت شخصيته جزءًا لا يتجزأ من جاذبيته، حيث يرى فيه الجمهور رمزًا للأخلاق الرياضية العالية والإصرار، في وقت تشهد فيه بلاده ظروفًا صعبة، أصبح أوسيك مصدر إلهام لأبناء شعبه، يمثل الأمل والصمود في مواجهة التحديات.
يُعتبر أوسيك اليوم أحد أعظم الملاكمين في جيله، إنجازاته التاريخية في فئتين وزنتين مختلفتين، بالإضافة إلى أسلوبه الفريد وشخصيته المحبوبة، جعلت منه أسطورة حية، فوزه على فيوري لم يكن مجرد إضافة لقب جديد لسجله، بل كان إعلانًا للعالم أن الملاكمة لديها ملك جديد، مقاتل لا يعرف المستحيل، يكتب تاريخها بيديه، ويُلهم الملايين حول العالم.