في سجلات التاريخ الرياضي، هناك أسماء لمعت بمهاراتها الفذة، ولكن قلة منها ارتبطت بقيم إنسانية ومبادئ أخلاقية فاقت شهرتها الكروية.

 يوهان سينديلار، الملقب بـ"موزارت الكرة"، ليس مجرد أسطورة في تاريخ كرة القدم النمساوية، بل هو رمز للمقاومة الصامتة والضمير الحي في وجه الظلم.. قصته، التي تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، هي تذكير بأن الرياضة يمكن أن تكون أداة للتعبير عن الرفض، حتى في أحلك الظروف.

ولد سينديلار عام 1903 في قرية صغيرة، ولكنه سرعان ما أصبح أيقونة في فيينا، بفضل مهاراته الفردية الفريدة وقدرته على التحكم بالكرة كفنان حقيقي، كان يلعب في فريق "أدميرا فاكر" ثم "أوستريا فيينا"، وقاد المنتخب النمساوي، المعروف آنذاك بـ"فريق العجائب"، إلى مجد لم يسبق له مثيل في الثلاثينيات؛ لكن مجده الكروي اصطدم بواقع سياسي مرير عندما ضمت ألمانيا النازية النمسا في عام 1938، فيما عُرف باسم "الأنشلوس". 

فرض النظام النازي سيطرته الكاملة على النمسا، وأصبحت الأندية النمساوية جزءًا من الدوري الألماني، وقرر النظام إقامة مباراة رمزية بين منتخب ألمانيا ومنتخب النمسا في فيينا، كنوع من الاحتفال بالوحدة المزعومة بين البلدين، كان الهدف من المباراة هو أن ينتهي اللقاء بفوز ألمانيا، ليظهر التفوق النازي على الساحة الرياضية؛ ولكن سينديلار، الذي كان يحمل ضميرًا لا يساوم، كان له رأي آخر.

قبل المباراة، تعرض سينديلار وزملاؤه لضغوط هائلة لضمان فوز الألمان، وفي اللقاء الذي أُقيم في 3 أبريل 1938، لم يكتفِ سينديلار باللعب، بل قاد فريقه إلى فوز غير متوقع بنتيجة 2-0.. والأهم من ذلك، بعد إحرازه الهدف الأول، قام سينديلار بحركة تحدٍ واضحة أمام كبار الشخصيات النازية في الملعب، فبدلاً من الاحتفال بهدوء، رقص أمامهم بخفة، في إشارة لا تخطئها العين على رفضه الكامل للانصياع، كانت هذه اللحظة أكثر من مجرد احتفال، بل كانت رسالة واضحة لكل من كان في الملعب بأن سينديلار لن يكون جزءًا من هذا النظام.

لم تنتهِ قصة التحدي عند هذا الحد، فبعد المباراة، طلب الألمان من سينديلار الانضمام إلى المنتخب الألماني الذي كان يستعد للمشاركة في كأس العالم عام 1938، ولكن "موزارت الكرة" رفض بشكل قاطع، كان هذا الرفض بمثابة تحدٍ مباشر للسلطة، وكان له ثمن باهظ.

بعد أشهر قليلة من هذا الرفض، وُجد يوهان سينديلار ميتًا في شقته في ظروف غامضة، ولم يتم الكشف عن الأسباب الحقيقية لوفاته حتى اليوم، وسط شبهات قوية حول تورط النظام النازي في وفاته.