تشهد صناديق الاستثمار في الذهب نموًا متسارعًا حول العالم، مدفوعة بالتقلبات الاقتصادية والبحث المتزايد عن أدوات مالية آمنة، وتشير البيانات إلى أن إجمالي أصول هذه الصناديق سجل 270.5 مليار دولار في عام 2024، وسط توسع كبير في عدد الصناديق المتداولة عالميًا، والذي تجاوز 100 صندوق، في وقت لا تزال فيه الولايات المتحدة تتصدر احتياطي الذهب العالمي بـ 8133 طنًا، تليها ألمانيا بـ 3351 طنًا. 

 

لماذا يتجه المستثمرون إلى صناديق الذهب؟

دفعت الاضطرابات الاقتصادية، والحروب التجارية، وارتفاع معدلات التضخم، المستثمرين للبحث عن أدوات تحوط مستقرة، ويظل الذهب أحد أبرز الخيارات الاستثمارية الآمنة عبر التاريخ، إذ يحتفظ بقيمته على المدى الطويل، بل ويحقق مكاسب في فترات الأزمات، مثلما حدث خلال جائحة كورونا وما تلاها من اضطرابات مالية.

 

ما هي صناديق الذهب؟ وما أنواعها؟

تُعد صناديق الذهب أدوات استثمارية متداولة في البورصات، تتيح للمستثمرين الاستفادة من حركة أسعار الذهب دون الحاجة إلى امتلاكه فعليًا، وتدير هذه الصناديق شركات متخصصة تستثمر في الذهب المادي أو في أسهم شركات تعدين الذهب.

وتنقسم صناديق الذهب إلى:

صناديق تعدين الذهب: تستثمر في شركات استخراج الذهب.

الصناديق المتداولة للذهب: تتبع سعر الذهب في السوق.

صناديق الذهب المادي: مدعومة بسبائك ذهب فعلية.

 

رحلة صعود الذهب من التسعينات حتى 2025

شهد سعر الذهب نموًا هائلًا خلال العقود الماضية، حيث ارتفع من 383.6 دولارًا للأونصة عام 1990 إلى 2386.2 دولارًا في 2024، وتجاوز الذهب حاجز 3300 دولار للأونصة في أبريل 2025، مدفوعًا بالتوترات العالمية وقرارات الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة.

الذهب في البنوك المركزية: أداة أمان اقتصادي

يمثل الذهب حوالي خُمس إجمالي الاحتياطيات التي تمتلكها البنوك المركزية حول العالم، الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والصين تحتفظ بكميات ضخمة، في مؤشر على الدور الاستراتيجي الذي يلعبه الذهب في تحقيق الاستقرار النقدي وتعزيز الأمان الاقتصادي.

 

الولايات المتحدة تتصدر صناديق الذهب عالميًا

منذ إطلاق أول صندوق ذهب متداول في أستراليا عام 2003، توسع هذا النوع من الاستثمار ليشمل عشرات الدول، وتمتلك الولايات المتحدة 36 صندوقًا بإجمالي أصول بلغت 189.4 مليار دولار في أبريل 2025، فيما تنتشر أكثر من 20 صندوقًا في أوروبا.

أفضل صناديق الذهب في 2024 

شهد عام 2024 نشاطًا استثماريًا قويًا في هذا القطاع، خاصةً في الصين وأوروبا، وتصدر صندوق Huaan Yifu Gold ETF الصيني القائمة بتدفقات نقدية بلغت 1.4 مليار دولار، يليه الصندوق الألماني Xtrackers IE Physical Gold ETC بـ 1.24 مليار دولار، ثم الصندوق الأمريكي SPDR Gold MiniShares Trust بـ1.07 مليار دولار.

 

التجربة المصرية في صناديق الذهب

في مصر، تحول الذهب من وسيلة ادخار تقليدية إلى أداة استثمارية رسمية ومنظمة، وشهد عام 2023 إطلاق أول صندوق للاستثمار في الذهب بالسوق المحلية، تبعه صندوقان إضافيان في 2024، وتخضع هذه الصناديق لإطار تنظيمي محكم من هيئة الرقابة المالية والبورصة المصرية، بما يضمن حماية المستثمرين.

 

من أبرز الصناديق المحلية:

EZ-Gold: أول صندوق ذهب مصري، أطلق في مايو 2023، واستحوذ على 74% من إجمالي السوق.

بلتون سبائك: أطلق في يناير 2024.

الأهلي "ذهب": انطلق في يونيو 2024.

نمو ملحوظ في أصول الصناديق المصرية

ارتفع عدد المستثمرين في صناديق الذهب بمصر من 79 ألفًا في يناير 2024 إلى 166 ألفًا في ديسمبر 2024، كما ارتفعت الأصول المدارة بنسبة 56% لتصل إلى 1.3 مليار جنيه.

ويعكس هذا التوسع تزايد ثقة المستثمر المصري في الذهب كملاذ آمن، خاصةً في ظل تقلبات سعر الصرف، والرغبة في أدوات استثمار تحفظ القيمة.

 

توقعات بمزيد من النمو في 2025

يتوقع خبراء الاستثمار، بمن فيهم بنك "جي بي مورغان"، زيادة كبيرة في الإقبال على صناديق الذهب خلال 2025، فبالرغم من ارتفاع الأصول، لا يزال الذهب يمثل أقل من 2% من إجمالي محافظ المستثمرين، ما يفتح الباب أمام نمو أكبر في ظل دورة خفض الفائدة المرتقبة وعودة الذهب للصدارة كأداة تحوط رئيسية.

 

البنوك المركزية.. لاعب خفي في سوق الذهب

وفي السنوات الأخيرة، شهدت أسواق الذهب تحولًا استراتيجيًا في الطلب، ليس فقط من المستثمرين الأفراد أو الصناديق الاستثمارية، بل بشكل متزايد من قبل البنوك المركزية حول العالم، فقد ارتفع إقبال البنوك المركزية على شراء الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، مدفوعًا برغبتها في تنويع احتياطاتها، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، والتحوط ضد التضخم والتقلبات الجيوسياسية.

ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، سجلت البنوك المركزية مشتريات قياسية خلال عام 2022، حيث تجاوز إجمالي الذهب الذي اشترته نحو 1136 طنًا، في أعلى مستوى سنوي لها منذ بداية التسجيل في الستينيات.

 

من يقود السباق العالمي لشراء الذهب؟

تتصدر الصين وروسيا قائمة الدول التي تقود موجة شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، فالبنك المركزي الروسي، على سبيل المثال، كان من أكثر البنوك نشاطًا خلال السنوات الماضية، حيث زاد احتياطي الذهب لديه بأكثر من 1350 طنًا بين عامي 2010 و2020، وهي أكبر زيادة بين جميع البنوك المركزية خلال تلك الفترة، ويأتي ذلك في إطار سياسة "فك الارتباط" بالدولار والعقوبات الغربية.

أما بنك الشعب الصيني، فقد عاد بقوة إلى سوق الذهب في السنوات الأخيرة، واشترى كميات كبيرة في 2023 و2024، ما يعكس مساعيه لتعزيز اليوان كعملة احتياطي عالمي.

 

إقبال البنوك المركزية يقود ذروة جديدة في سوق الذهب

في النصف الأول من عام 2025، زادت البنوك المركزية العالمية مشترياتها من الذهب بوتيرة استثنائية، لتواصل موسمًا رابعًا من التكديس بكميات قياسية، وفقًا لتقديرات Metals Focus، ومن المتوقع أن تتجاوز مشترياتها 1,000 طن خلال العام، ليبقى 2025 العام الرابع على التوالي الذي يشهد فيه هذا المستوى من الاستحواذ.

هذه الحركة تأتي مشفوعة برغبة في تنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الدولار، وسط توترات جيوسياسية وصعود معدلات التضخم.

في الربع الأول فقط، اشترَت البنوك المركزية 244 طنًا من الذهب، وهو رقم لا يقل عن متوسط السنوات الخمس الماضية ويشكل أكثر من 21% من إجمالي مشتريات 2024.

وكان بنك بولندا في المقدمة، حيث أضاف 49 طنًا خلال الربع الأول ورفع احتياطياته إلى نحو 497 طن أي 21% من إجمالي احتياطاته.

كما عززت كازاخستان وتركيا والصين وغيرها عمليات التكديس: أضافت الأولى 7 طن، والثانية 6 طن، والثالثة نحو 13 طن، بينما شملت مشتريات مارس أيضًا بلدان مثل كمبوديا وغانا.