في صباح الإثنين 7 يوليو 2025، اندلع حريق مفاجئ في الطابق السابع من سنترال رمسيس، أحد أكبر مراكز الاتصالات في مصر. ساعات قليلة كانت كفيلة بإحداث ارتباك واسع النطاق: انقطاع خدمات الإنترنت والخطوط الأرضية في القاهرة والجيزة، تأثر شبكات المحمول، تعطل المعاملات البنكية، بل وتأثر حركة الطيران في مطار القاهرة الدولي.
لكن، وعلى الرغم من صعوبة الحدث، إلا أن هذه الأزمة كشفت عن فرصة ذهبية لمراجعة منظومة الاتصالات في مصر، وإعادة النظر في البنية التحتية الرقمية، ليس فقط بهدف التعافي من الأزمات، بل لبناء شبكة أكثر مرونة واستدامة في المستقبل.
🔹 الاستمرارية ليست رفاهية.. بل ضرورة وطنية
حريق رمسيس لم يكن مجرد حادث عرضي، بل جرس إنذار يفتح بابًا مهمًا نحو مفهوم "استمرارية الخدمة" في قطاع يعتمد عليه كل شيء، من الخدمات الحكومية حتى المعاملات الشخصية اليومية.
ولكي نضمن أن لا يتكرر هذا السيناريو، هناك ثلاث ركائز رئيسية يجب أن تصبح أساسًا لكل منظومة اتصالات حديثة:
1️⃣ النسخ الاحتياطي المنتظم (Backup Plan)
البيانات هي العمود الفقري لأي مؤسسة. ومع الخسائر التي طالت بعض السيرفرات الحيوية في سنترال رمسيس، أصبح واضحًا أن وجود نسخ احتياطية محدثة بانتظام ليس مجرد إجراء تقني، بل ضرورة أمن قومي.
ينبغي أن تشمل خطة النسخ:
1.أنظمة الفوترة وإدارة الحسابات
2.قواعد بيانات العملاء
3.نظم مراقبة وإدارة الشبكات
ولا يكفي وجود النسخ فقط، بل يجب اختبارها بانتظام للتأكد من جاهزيتها الفعلية لاستعادة الخدمة في أقل وقت ممكن.
2️⃣ مواقع بديلة للتعافي من الكوارث (Disaster Recovery Sites)
رغم أن نقل حركة الإنترنت إلى سنترال الروضة بعد الحريق كان خطوة جيدة، إلا أن التأخر في استعادة الخدمات أشار إلى أن المواقع الاحتياطية ما زالت بحاجة إلى تطوير.
مواقع التعافي لا يجب أن تكون مجرد "خطة بديلة"، بل بنية متكاملة تُزامَن مع الموقع الرئيسي باستمرار، وتكون قادرة على التشغيل الفوري في حالة:
1.حرائق أو كوارث طبيعية
2.انقطاعات كهرباء
3.هجمات إلكترونية مفاجئة
الهدف هنا أن لا تتوقف الخدمة حتى لو توقفت البنية الأساسية مؤقتًا.
3️⃣ التكرارية (Redundancy)
أحد أهم دروس ما حدث هو خطورة الاعتماد على مركز واحد لتوزيع الخدمة. التكرارية تعني أن تكون هناك مسارات بديلة نشطة دومًا.
وتشمل هذه التكرارية:
1.الربط بأكثر من مزوّد خدمة إنترنت (ISP)
2.تكرار الأجهزة الحيوية مثل الخوادم والمبدّلات
3.توفير مصادر طاقة مستقلة مثل UPS والمولدات الكهربائية
هذه الاستراتيجية تضمن أنه في حال تعطل أي جزء من الشبكة، يمكن تحويل المسار فورًا دون فقد الخدمة.
🔹 من الأزمة إلى البناء
صحيح أن الحادث كان مؤلمًا، لكن الأهم هو القدرة على التعلم والتطوير. وما نشهده حاليًا من مراجعات داخلية واستجابات سريعة من الجهات المعنية يُبشّر بأننا نسير في الطريق الصحيح.
استمرارية الخدمة اليوم ليست خيارًا تقنيًا، بل ركيزة وطنية لحماية المجتمع والاقتصاد.
ولا يكفي أن نضع الخطط على الورق، بل يجب اختبارها دوريًا، وتدريب الفرق على تفعيلها، لتصبح جزءًا حيًا من ثقافة العمل.