في منتصف الربيع الماضي، شهدت دول أوروبية مثل إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا انقطاعًا شبه كامل في التيار الكهربائي والخدمات الأساسية، بما فيها الإنترنت ومترو الأنفاق، استمر لأكثر من 12 ساعة. الأزمة أثّرت على ملايين المواطنين، لكنها مرت بهدوء لافت، دون ضجيج، دون اتهامات متبادلة، ودون حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تُحمّل الحكومات مسؤولية "خراب البلاد".

هذا المشهد يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا نُسارع في مصر إلى جلد الذات مع كل أزمة؟ ولماذا يتحوّل أي انقطاع أو حادث إلى مادة للتشكيك والسخرية؟


نقد أم تشويه؟


الفرق بين النقد البنّاء والهجوم الهدّام دقيق لكنه حاسم. النقد مطلوب وضروري، لا سيما في دولة تسعى للإصلاح، لكن تحويل كل خطأ إلى مؤامرة، وكل أزمة إلى "فضيحة قومية"، يجعل مناخنا العام طاردًا للعقل، مكرسًا لثقافة الهدم بدل البناء.
في دول مثل فرنسا أو ألمانيا، المواطن لا يُغفل حقه في المحاسبة، لكنه أيضًا يدرك أن الأزمات جزء من الواقع، حتى في أكثر الدول تقدمًا. هناك وعي مجتمعي بأن الخدمات قد تتعطل، أن القرارات قد تخطئ، وأن الدولة -أي دولة- ليست معصومة.


هل الظروف مثالية؟ بالتأكيد لا.


نعاني في مصر من تحديات حقيقية: تضخم، ارتفاع أسعار، أعباء اقتصادية متراكمة. لكن الحقيقة أن تلك الأزمات ليست محلية فقط، فالعالم بأسره يئن تحت وطأة أزمات الطاقة وسلاسل الإمداد وتبعات الحروب والركود العالمي.
الفرق أن بعض الشعوب تتعامل مع أزماتها باعتبارها اختبارًا جماعيًا للتماسك، بينما ينجرّ البعض الآخر إلى جلد الذات ولوم الدولة في كل صغيرة وكبيرة.


من يحمل الوطن؟


في المراحل الفارقة من تاريخ الأمم، لا يُطلب من الدولة فقط أن تحمي الشعب، بل يُطلب من الشعب أيضًا أن يكون ظهيرًا للدولة. هذا لا يعني السكوت عن الخطأ، بل يعني أن يكون الخطاب العام مسؤولًا، والاختلاف محترمًا، والنقد في مكانه الصحيح.


إذا كنا لا نحتمل انقطاع الإنترنت لساعات، أو تعطل المترو ليوم، فهل نُدرك معنى الحرب أو الحصار أو الأزمات الممتدة؟ هل نمتلك الوعي الكافي لتحمل ظروف استثنائية تتطلب صبرًا وتكاتفًا لا تهكمًا وتشكيكًا؟


وعلينا أن نشير إلى أن هناك تقارير استخباراتية تنقل الحدث لحظة بلحظة عن علاقة الشعب بنظام الحكم  وقوة التماسك بين الشعب والدولة 
وتحليل الرأي العام يبني علية قرارات ، لذا علينا أن نعلم ان إنهيار الدول يأتي دائمآ من الداخل 

أنتبهو أيها المصريون

وختامًا
لسنا في مدينة فاضلة. نعم، هناك أخطاء ومشكلات وتأخر أحيانًا في الأداء لكن البدائل ليست وردية كما يظن البعض. بل إن الفراغ الوطني الذي تصنعه السخرية الدائمة قد يكون أخطر من الأزمات نفسها.
الوطن لا يُبنى بالصوت العالي فقط بل بالصبر بالعقل، وبالمسؤولية المشتركة.