مع بداية عرس ديمقراطي جديد في مصر، بانتخابات مجلس الشيوخ 2025، نجد أن الحياة الفنية لم تكن منفصلة أبدًا عن النيابية، بل أنها لم تقتصر على الفن فقط وامتدت لمشاركة الفنانين ما بين البرلمان ومجلس الشيوخ.
على مدار العقود الماضية، لم تكن علاقة الفنانين بالسياسة ثابتة أو على وتيرة واحدة، بل تقلبت ما بين الحضور الخجول، والمشاركة الرمزية، وصولًا إلى التأثير المباشر في المشهد النيابي والحزبي. ومع كل استحقاق انتخابي جديد، تتجدد الأسئلة حول مدى تأثير الحضور الفني في الحشد الجماهيري، وهل الفنان مجرد وجه دعائي أم فاعل سياسي حقيقي؟
هل حشد الفنانين مؤثر بالانتخابات
مع مرور السنوات تحول دور الفنانين فبعد أن كانوا مشاركين عن بعد ويتم اختيارهم بطريقة مترفعة للتعين بمجلس الشيوخ، وبعدها إبعادهم عن السياسة تمامًا، كان البعض منهم مؤثر في عمليات الحشد لمرشح بعينه دونه الأخر، وبمجرد ظهوره في شادر أو قاعة مؤتمرية لأحد المرشحين، يجلب له الكاميرات وحديث الجمهور أيضًا حوله.
وظهر ذلك في مشاركة أحمد بدير ذات مرة عام 2005، فكان من أكبر داعمي مبارك في فترة رئاسته وحتى بعد رحيله، ولكن إن كان هذا الظهور غير معلن بشكل كبير ويتم السماع عنه فقط، إلا أنه لم ينكر يومًا دعمه الكامل للرئيس الأسبق مبارك وفترته.
وتبعته يسرا والهام شاهين ونبيلة عبيد مرة أخرى بمؤتمر للحزب الوطني، فكن أيضًا من أنصار مبارك طوال الخط، فيسرا كانت مشاركتها كوجه فني غير مقحمة ذاتها بعالم السياسة، أما الهام شاهين فكانت صاحبة رأي ومن أنصار مبارك طول الخط، ونبيلة عبيد كانت زوجه لمدير مكتبه أسامه الباز فلم تكن لتؤيد غيره سياسًا، ولكن جميعها لم تكن مشاركات فعاله كما تغير الوضع فيما بعد.
الفنان بين التأثير الجماهيري والمشاركة السياسية بعد يناير
بعد ثورة يناير كان هناك تواجد فني أكبر بالشارع تبعه مشاركة في الحياة السياسية بشكل عام، فمن حشد تظاهرات إلى حشد للتغير إما في تعديلات دستورية أو حشد للتصويت في انتخابات نيابية سعيًا لبناء وطن جديد سعى إليه الجميع.
وفي ذلك الحين كان الحشد بالفعل مؤثر وكان يحض الجماهير على المشاركة بعد فترة اقطاع سنوات عن المشاركة بعمليات التصويت.
وكان هذا الحشد له طرق مختلفة منها المنظم التابع لحركات محددة ومنها الفوضوي القائم على اجتهادات شخصية، ولكن النتيجة الخاصة به كانت واحدة وهي تواجد المواطنين أمام اللجان الخاصة بهم لاختيار مصيرهم وحياتهم النيابية.
ولكن الاكيد أنه بمجرد تواجد فنان ما داخل لجنة انتاخابية ظهوره على الشاشة للتعبير عن رأيه يحدث هذا حالة من الحراك في الشارع تجاه الفنان، سواء بالذهاب إلى اللجنة التي يتواجد بها الفنان أو نتيجة لتأثره بشخص يحبه فيذهب في عملية لتقليده.
وهو ما أكده الناقد الفني طارق الشناوي، لـ "خمسة سياسة"، أن الفنان ما كان مؤثرًا في جمهوره بالتصرفات العادية سواء كانت الملبس أو المظهر وما شابه ذلك.
وهو ما ترتب عليه أيضًا أن يكون مؤثرًا في موقفه السياسي كأمر تيعي طبيعي، فمع رؤية الفنان يدلي بصوته الانتخابي أو يعبر عن رأيه السياسي يكون هذا حشد غير مباشر لجمهور الفنان للتحرك تجاه الحدث السياسي القائم بالوطن كتأثير طبيعي دون تدخل مباشر من الفنان أيًا كانت حجم جماهرييته.
وأكد، أن هذا الحشد مؤثر وقوي وقد تمت تجربته على أرض الواقع خلال السنوات الماضية أمام أعين الجميع، خلافًا على تواجد النجم في لجنة محددة يسبب ذلك تكدس جماهيري وحشد أيضًا غير مباشر.
التحول من الحشد إلى المشاركة
مع اختلاف الحياة النيابية كان لابد من اختلاف طرق الحشد عن طريق الفنانين، واختلفت أيضًا سياسة الفنانين في التعبير عن أراءهم السياسية بشكل كبير.
فبعد أن كان يتوقف دور الفنان عند الحشد، قرر الكثير منهم التعبير عن رأيه بكل صراحة ودخول معترك الحياة السياسية من أبوابها القانونية، لنجد كل من أشرف زكي "نقيب المهن التمثيلية"، مدحت العدل" مؤلف ومنتج"، سامح الصريطي"فنان"، أعضاء هيئة المكتب التأسيسي لحزب الجبهة الوطنية.
مما حول دور الفنان من مجرد داعي وداعم إلى مؤسس ومشارك، وهو ما شجع على سبيل المثال الجماهير إلى الذهاب إلى حزب دون غيره، أو إلى المشاركة في عمل سياسي ما.
ومن اختلافات طرق الحشد الجماهيرية خلال الأونة الأخيرة، نجد أيضًا أن حزب الجبهة الوطنية اختار الفنان أحمد العوضي، كواحد من أصحاب الجماهيرية العريضة في مصر بالسنوات الأخيرة مشاركًا في احتفالية كبرى أقامها الحزب لتكريم أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، وذلك يوم 30 يوليو 2025 في أحد فنادق القاهرة، وهو ما يعد أيضًا إحدى طرق الحشد المتطورة مع تطور الحياة النيابية.
وكذلك الفنان أحمد فؤاد سليم الذي شارك في مؤتمرات حزب مستقبل وطن خلال الأيام الماضية وكان حشدم مباشرًا بضرورة المشاركة في الحياة النيابية.
الانتماء الوطني والطموح النيابي
وعن المشاركة الفنانين في الحياة السياسية، قال الناقد الفني ضياء مصطفى، علاقة الفنانين بالسياسة علاقة قديمة فالفنان منهم من له نزعة سياسية يسارية، ومنهم من هو في جناح ويشارك بالأحزاب التابعة للسلطة إما بغرض الوطنية أو بغرض الرغبة في الظهور، وهذا متواجد طوال الوقت كأي فئة ولكن يظهر ويخفتي على حسب الحراك السياسي المتواجدبالمجتمع.
وأضاف لـ"خمسة سياسة"، ظهر في الفترة الاخيرة أكثر من فنان مشاركين بأحزاب سياسية تابعة للدولة لرؤيته ان الوطن في لحظة فارقة ويرغب في الوقوف إلى جانب الوطن، كمان أن هناك أيضًا من يطمح إلى أن يصبح عضوًا بمجلس النواب في القريب العاجل.
ونوه، إلى أن هناك اتجاه من الأحزاب لاستقطاب الفنانية لزيادة شعبية الأحزاب أيضًا، وهو ما خلق نوع جديد من طرق الحشد كون الفنان أصبح جزء من الحياة السياسية نفسها.
من "اخترناه" إلى"ست الستات"..الأغنية الوطنية
دائمًا ما كانت للأغنية الوطنية دور في عمليات الحشد الانتخابي، وموقف سياسي واضح وهو ما اعتاد عليه المصريين منذ أغنية "اخترناه" وهي الأشهر لإعادة الثقة في الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وتبع ذلك عام 2015، عدد من الأغنيات كان منها"تسلم أيديك" و"انتخبوا" وغيرها وصولًا لأحدث أغنيات الفنانة صفاء أبو السعود التي تعود بها للحياة الفنية مرة أخرى وهي "ست الستات" تشجيعًا على المشاركة في انتخابات الشورى 2025
معترك السياسة عبر السنوات
دائمًا ما أتى الفن ممثلًا في أحد المجالس النيابية في مصر، فكان أخر من ناب عن الحياة الفنية هو الفنان يحيى الفخراني في مجلس الشيوخ لدورته الماضية في عام 2020، وكانت إلى جانبه الفنانة سميرة عبد العزيز.
ولكن كانت البداية الحقيقة مع الراحل محمود المليجي الذي عينه الرئيس محمد أنور السادات عضوًا بمجلس الشورى عام 1980، وخلفه الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب بقرار من الرئيس محمد حسني مبارك.
وكأنه أصبح تقليدًا لابد منه ظل تواجد فنان بمجلس الشورى ممثلًا عن فئة هامة من الشعب قرارًا رئاسيًا تداوله الرؤساء بمصر، لتأتي الراحل أمينة رزق نائبة بمجلس الشيوخ عام 1991.
واعقبتها عنصر نسائيًا أخر وهام وهو الفنانة مديحة يسري عام 1998.
ومن بعد ذلك تم انقطاع تعيين فنانين بمجلس الشيوخ حتى أعاد هذا التقليد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2020، ولكن كان في المقابل هناك فنانين قرروا خوض انتخابات البرلمان ونجحوا بها بنسب مرتفعة كان منهم فايدة كامل عام 1971، كأول مطربة تحت قبة البرلمان، وكذلك الملحن كمال الطويل والذي نجح في قائمة حزب الوفد بالثمانينات،وكذلك الفنان حمدي أحمد عن حزب العمل عام 1979.
بعد فترات عزوف الفنانين عن الحياة النيابية إما بالتعيين أو الانتخاب، تغيرت الأوضاع عقب ثورة يناير 2011، وكانت هناك أهداف للفنانين للمشاركة في الحياة النيابية، وكان الأشهر هو المخرج خالد يوسف والذي خاض الحياة السياسية عن طريق انتخابات مجلس النواب ونجح بها بالفعل.
وظهر أيضًا عدد من الفنانين مشاركين بعدد من الأحزاب السياسة إلى عام 2015، ليعود الفنانين أدراجهم مرة أخرى وتتحول طرق الحشد إلى مباشر ومشارك في الحياة السياسية.