لم تكن كرة القدم مجرد لعبة تُلعب على المستطيل الأخضر، هي واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية تأثيرًا في العالم، حيث تُحرّك مشاعر الملايين وتوحدهم خلف ألوان أنديتهم أو أعلام منتخباتهم، هذه القوة الجارفة جعلت منها أداة مثالية في يد السياسيين، خاصة خلال فترات الانتخابات، لحشد الجماهير وتوجيهها سياسيًا.
في العالم العربي كما في باقي الدول، يدرك السياسيون أن كرة القدم تختصر الطريق نحو قلوب الناس، صور السياسيين في المدرجات، أو تهنئتهم للفرق الفائزة، أو حضورهم مباريات المنتخب، لم تعد مجرد صدفة، بل تحولت إلى أدوات انتخابية مدروسة تهدف إلى كسب شعبية آنية.
السياسيين يستغلون كرة القدم بشكل مباشر أثناء الحملات الانتخابية
على الصعيد العالمي، ربما يُعتبر المثال الأبرز هو ما حدث في الأرجنتين خلال كأس العالم 1978، فقد استغل المجلس العسكري الحاكم وقتها البطولة التي استضافتها البلاد لتلميع صورته، رغم الاتهامات الواسعة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، الجماهير الملتفة حول منتخبها الوطني نسيت -ولو مؤقتًا أزمات السياسة، وهو ما خدم النظام في تثبيت أركانه.
كما أن كثيرًا من السياسيين يستغلون كرة القدم بشكل مباشر أثناء الحملات الانتخابية، في دول مثل نيجيريا والبرازيل، يظهر المرشحون في الملاعب بجوار أساطير الكرة أو يقدمون وعودًا بزيادة دعم الرياضة، هذه الصور تترسخ في وجدان الجماهير البسيطة، فتربط بين حبها للكرة وصناديق الاقتراع.
لكن هذه العلاقة ليست دائمًا إيجابية، أحيانًا تتحول الهزائم الكروية إلى عبء ثقيل على الحكومات أو المرشحين، ففي غانا عام 2008، تعرض الرئيس آنذاك لانتقادات شعبية بسبب إخفاق المنتخب في كأس الأمم، وهو ما انعكس سلبًا على صورته السياسية، وفي مصر، على سبيل المثال، شكلت كارثة "مباراة الجزائر 2009" صدمة كبيرة، استغلها السياسيون بين التصعيد والتهدئة بحسب مصالحهم.
محاولات التوظيف السياسي للكرة
اللافت أن الجماهير نفسها باتت أكثر وعيًا بمحاولات التوظيف السياسي للكرة، ففي بعض الحالات، ترفض الشعوب أن تتحول اللعبة إلى "ستار دخان" يخفي المشكلات الحقيقية، ومع ذلك، يبقى تأثير كرة القدم في الحملات الانتخابية واقعًا لا يمكن إنكاره، خاصة في المجتمعات التي تمثل فيها اللعبة الشعبية الأولى.
ويمكن القول إن كرة القدم تجاوزت كونها مجرد وسيلة للتسلية، لقد أصبحت صندوقًا انتخابيًا مفتوحًا، وسلاحًا دعائيًا يلوّح به السياسيون كلما اقتربت ساعة الحسم.