تشهد الإسكندرية، عروس البحر المتوسط، منذ سنوات نشاطًا متزايدًا في مجال التنقيب عن الآثار الغارقة، وهو المجال الذي يضع مصر في صدارة الدول صاحبة الكنوز البحرية التاريخية. وقد أعلنت وزارة السياحة والآثار مؤخرًا عن انتشال أربع قطع أثرية ضخمة من قاع البحر في منطقة غرب خليج أبو قير، وهو ما أعاد تسليط الضوء على هذا الملف الذي طالما أثار اهتمام الباحثين والجمهور على حد سواء.

 لكن، وبحسب تصريحات المسؤولين، فإن ما تم كشفه حتى الآن ليس سوى بداية رحلة طويلة، حيث لا يزال الموقع يضم المزيد من الكنوز التي تنتظر انتشالها وتوثيقها وترميمها..

 

وكشف الدكتور محمد لطفي، كبير الاثريين بالإدارة العامة للآثار الغارقة، عن تفاصيل هامة لما تم استخراجه من قاع البحر خلال الفترة الماضية.

وقال لطفي، في تصريحات خاصة ل"خمسة سياسة" أن الاعمال في تلك المنطقة منذ عام 2023، وأوضح أن أعمال البحث في هذا الموقع مستمرة منذ عامين، وأن ما تم اكتشافه حتى الآن ليس سوى البداية. ومن المقرر استئناف الأعمال في نفس الموقع بعد فترة راحة قصيرة.

قطع أثرية ضخمة تنتظر الكشف عنها

 

أشار دكتور محمد لطفي، إلى أنه من المؤكد وجود قطع أثرية أخرى بأحجام كبيرة وضخمة في نفس الموقع، إلا أن عملية انتشالها تتطلب الانتهاء من أعمال التوثيق الدقيق أولًا

وحول مصير القطع الأثرية التي تم انتشالها وتلك التي سيتم اكتشافها مستقبلًا، أوضح أن القرار النهائي لم يتخذ بعد. فالقطع المكتشفة حديثًا ستخضع لعملية ترميم دقيقة تستغرق حوالي ستة أشهر، تهدف إلى التخلص من الأملاح البحرية وتنظيفها من البقايا العالقة بها. وبعد انتهاء أعمال الترميم وتجهيزها للعرض، سيتم تحديد مكان عرضها، سواء بدعم أحد المتاحف القائمة بسيناريو عرض جديد، أو تخصيص عرض خاص بها، وهو ما يتطلب وجود مجموعة متكاملة من نفس الموقع، أو عرضها في معارض خارجية.

ما بعد الانتشال: رحلة الترميم

لا ينتهي العمل الأثري بمجرد انتشال القطعة من قاع البحر، بل يبدأ فصل آخر بالغ الأهمية يتمثل في عمليات الترميم. فالقطع التي تم رفعها مؤخرًا ستخضع لبرنامج دقيق يستغرق نحو ستة أشهر، يتضمن التخلص من الأملاح البحرية التي تراكمت عبر مئات السنين، وتنظيفها من الطحالب والبقايا البحرية، وإجراء المعالجات الكيميائية اللازمة لضمان استقرارها وصلاحيتها للعرض.
ويشير الخبراء إلى أن الترميم البحري يعد من أكثر العمليات تعقيدًا في مجال حفظ التراث، إذ إن القطع التي تظل لفترات طويلة في بيئة مالحة تكون عرضة للتفتت والتآكل بمجرد تعرضها للهواء إذا لم تُعالج بدقة. ولهذا فإن المتخصصين في معهد الترميم البحري يطبقون أحدث الأساليب العالمية لضمان سلامة تلك القطع النادرة.

 

الربط بمدينة هيراكليون والمتحف الكبير

 

وردًا على سؤال حول إمكانية نقل الاكتشافات الجديدة إلى المتحف المصري الكبير، أوضح المسؤول أن المبدأ المتبع هو أن القطع التي تنتمي إلى مدينة "هيراكليون" الغارقة، الواقعة في خليج أبي قير بالناحية الشرقية، هي التي يتم نقلها للعرض في المتحف الكبير. أما الموقع الحالي للاكتشافات فيقع في الناحية الغربية، وهو لا يمثل مدينة غارقة بالكامل، بل جزء يسير من الواجهة البحرية للمدينة القديمة.

 مستقبل واعد للاكتشافات الأثرية

 توقع "لطفي" أن  تشهد الأيام القادمة الكشف عن المزيد من القطع الأثرية، حيث يضم الموقع حوضًا للاستزراع السمكي، وأرصفة بحرية، وسفينة غارقة، مما يبشر بوجود المزيد من الكنوز الأثرية التي تروي فصولًا جديدة من تاريخ الإسكندرية العريق.

 وبدأت أعمال البعثة  منذ خريف 2023، واستطاع أن يحقق إنجازًا كبيرًا بإخراج عدد من التماثيل والقطع الأثرية النادرة استخراج تمثال من عصر رمسيس الثاني مصنوع من الكوارتزايت

وابرز الاكتشافات كان تمثالًا ضخمًا من العصر البطلمي يزن نحو 2.6 طن، مصنوع من الجرانيت الوردي، يبلغ طوله 2.20 متر، لكنه مفقود الرأس والأطراف، ولو كان مكتملًا لبلغ ارتفاعه نحو 5 أمتار كما تم استخراج تمثال من عصر رمسيس الثاني مصنوع من الكوارتزايت، وهو ما يثبت وجود بقايا أثرية من عصور مختلفة في نفس الموقع.

كما تم العثور أيضًا على تمثال روماني فاقد الرأس والقدمين يرتدي عباءة «الباليوم» الشهيرة في العصر الروماني، ويُرجح أنه يمثل أحد الفلاسفة.

كما اكتُشفت طاحونة أثرية نادرة من حجر الطوفة البركاني المستورد من أوروبا، تحمل نقشًا يونانيًا باسم «هيرمس»، وتعد الأولى من نوعها بين الطواحين المكتشفة.