يُعدّ اللاعب الروسي دانييل ميدفيديف أحد أبرز نجوم التنس في العقد الأخير؛ لكن مسيرته لم تكن محصورة داخل حدود الملعب، فمنذ بدء الحرب في أوكرانيا، وجد نفسه، ومعه العديد من الرياضيين الروس، في قلب عاصفة سياسية دولية، وقد اتسمت تصريحاته ومواقفه بالحذر والواقعية، في محاولة للتوفيق بين هويته الرياضية والجنسية الروسية، وبين الضغوط السياسية الهائلة التي يتعرض لها.
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وجد ميدفيديف نفسه في موقف صعب للغاية، حيث طُلب من الرياضيين الروس اتخاذ موقف علني من الأزمة، وفي هذا السياق، لم يتبنَ ميدفيديف موقفًا سياسيًا صريحًا يدعم أو يعارض الحرب، بل اتجه إلى موقف عام يركز على السلام، ففي تصريح له، قال إنه "مع السلام"، مشيرًا إلى أن "التنس مهنتي، وأنا ألعب حيث يمكنني اللعب".. هذا الموقف كان بمثابة محاولة لتجنب الانخراط في جدال سياسي معقد، مع إبداء رغبة في استمرار مسيرته الرياضية.
كانت بطولة ويمبلدون 2022 هي الأبرز في هذه الأزمة، حيث اتخذت قرارًا تاريخيًا بحظر مشاركة اللاعبين الروس والبيلاروسيين، كان هذا القرار بمثابة ضربة قاسية لميدفيديف، الذي كان حينها المصنف الأول عالميًا، ورغم ذلك، لم يعبر عن غضبه بشكل مباشر، بل أظهر احترامًا لقرار المنظمين، وقد علّق على ذلك قائلاً: "لن أتخذ هذا القرار نيابة عنهم... أنا مع السلام وسأحترم قرارهم".. كان هذا التصريح يعكس إدراكًا منه أن هذا القرار لم يكن رياضيًا، بل كان سياسيًا بحتًا، وأنه لا يملك القدرة على تغييره.
بينما قررت ويمبلدون الحظر التام، سمحت رابطة محترفي التنس (ATP) ورابطة محترفات التنس (WTA) للرياضيين الروس والبيلاروسيين بالمشاركة في البطولات الأخرى؛ ولكن تحت علم محايد.. هذا الشرط جعل ميدفيديف وغيره من اللاعبين الروس يشاركون في البطولات دون تمثيل بلادهم رسميًا، مما أبعدهم عن الصورة السياسية المباشرة، وقد أكد ميدفيديف في عدة مناسبات أنه يلتزم بهذا الشرط، وأن هدفه الأول هو الاستمرار في ممارسة رياضته المفضلة.
توضح حالة دانييل ميدفيديف مدى تداخل الرياضة بالسياسة في العصر الحديث، لم يعد بإمكان الرياضيين الكبار العيش في فقاعة بمعزل عن الأحداث العالمية، فقد تحولت تصريحاتهم ومواقفهم إلى جزء من الحوار السياسي الأوسع، مما يضعهم في مواقف صعبة تتطلب منهم إما التكيف أو المواجهة، وقد اختار ميدفيديف مسارًا عمليًا يركز على مسيرته المهنية، مع إبداء موقف سلمي عام يحاول من خلاله تجنب المزيد من التعقيدات.
د.أسماء حسنين
