بدأ أول انتشار عسكري أميركي كبير في الشرق الأوسط في يوليو 1958 حين أرسلت واشنطن قوات قتالية إلى بيروت خلال الأزمة الداخلية اللبنانية. منذ ذلك الحين، اتسع نطاق الانتشار الأميركي ليشمل قواعد جوية وبحرية وبرية في معظم دول الخليج العربي، إضافة إلى الأردن والعراق. وقد شكّل غزو العراق عام 2003 محطة مفصلية مكّنت الولايات المتحدة من إعادة هيكلة وجودها العسكري في المنطقة، وتحويل بعض القواعد إلى مراكز دائمة للقيادة والسيطرة والإمداد.

الخريطة الحالية للوجود الأميركي

وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، تدير الولايات المتحدة اليوم شبكة واسعة من المواقع العسكرية في الشرق الأوسط، تضم نحو 19 موقعًا بين قواعد دائمة ونقاط انتشار أمامية. أكبر هذه القواعد متركزة في قطر، البحرين، الكويت، الإمارات، السعودية، العراق والأردن، إلى جانب وجود محدود في مصر.

القواعد الأميركية البارزة في المنطقة

قاعدة العديد الجوية – قطر

تعد قاعدة العديد أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط وأحد المراكز الرئيسية للعمليات العسكرية الأميركية. أنشئت عام 1996 وتمتد على مساحة شاسعة تستوعب ما يقرب من 100 طائرة قتالية واستطلاعية، إلى جانب طائرات من دون طيار. تستضيف القاعدة نحو 10 آلاف جندي وتعمل كمقر متقدم للقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM). لعبت القاعدة دورًا محوريًا في عمليات التحالف الدولي في أفغانستان والعراق وسوريا.

قاعدة الدعم البحري "NSA" – البحرين

تقع القاعدة البحرية الأميركية في البحرين على موقع القاعدة البريطانية السابقة "HMS Jufair". تستضيف القاعدة حوالي 9 آلاف من العسكريين والمدنيين وتعد موطنًا للأسطول الخامس الأميركي. توفر القاعدة الأمن والدعم اللوجستي لعمليات البحرية الأميركية في الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر.

معسكر عريفجان – الكويت

يعد معسكر عريفجان القاعدة البرية الأهم للجيش الأميركي في المنطقة. تم إنشاؤه عام 1999 ويقع على بعد 55 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الكويت. يشكل المعسكر مركز قيادة ودعم لوجستي للعمليات في العراق وسوريا، ويستضيف آلاف الجنود والمركبات المدرعة.

قاعدة الظفرة الجوية – الإمارات

تتركز أهمية قاعدة الظفرة على كونها منصة للعمليات الجوية الاستخباراتية والهجومية. تستضيف القاعدة طائرات "إف-22 رابتور" الشبحية وطائرات الإنذار المبكر "أواكس" وطائرات مسيرة متطورة. تلعب القاعدة دورًا حيويًا في مراقبة التحركات الإيرانية ودعم عمليات الردع الإقليمي.

قاعدة أربيل الجوية – العراق

تقع هذه القاعدة في شمال العراق وتستخدم لعمليات الدعم الجوي وتقديم المشورة للقوات العراقية والكردية في مواجهة التنظيمات المسلحة. كما تشكل نقطة انطلاق للعمليات الأميركية في سوريا.

حجم القوات الأميركية في الشرق الأوسط

اعتبارًا من منتصف 2025، يتراوح عدد القوات الأميركية في الشرق الأوسط بين 40 و50 ألف جندي. ينتشر هؤلاء في قواعد دائمة وأخرى مؤقتة، إضافة إلى مواقع أمامية أصغر تستخدم لتأمين العمليات الخاصة والاستطلاع.

دوافع تعزيز الوجود العسكري الأميركية

تؤكد التحركات الأميركية الأخيرة أن واشنطن تسعى إلى:

  • ردع إيران ومنعها من شن أي هجمات انتقامية ضد المصالح الأميركية أو الإسرائيلية.
  • طمأنة الحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات وقطر بشأن التزام واشنطن بأمن المنطقة.
  • تأمين طرق الملاحة الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر.
  • تعزيز القدرة على الاستجابة السريعة لأي تطور مفاجئ، سواء هجمات بالصواريخ الباليستية أو تهديدات للمصالح النفطية.

التداعيات على الأمن الإقليمي

يرى محللون أن الحشد العسكري الأميركي يحمل رسائل ردع واضحة لكنه يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة مباشرة. فوجود حاملتي طائرات وعدة مدمرات في شرق المتوسط والبحر الأحمر يعزز قدرة واشنطن على التدخل السريع، لكنه في الوقت نفسه قد يدفع إيران إلى تكثيف هجماتها عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان.

سيناريوهات المستقبل

  1. التصعيد العسكري: قد يتطور الوضع إلى ضربات أميركية مباشرة ضد أهداف داخل إيران في حال استمرار الهجمات على القوات الأميركية أو مصالح الحلفاء.
  2. احتواء التوتر: في حال عودة المفاوضات النووية إلى المسار الدبلوماسي، قد تخفف واشنطن من انتشارها العسكري تدريجيًا.
  3. إعادة التموضع: من المحتمل أن تعمل الولايات المتحدة على تعزيز قواعدها في الأردن والسعودية كجزء من استراتيجية إعادة توزيع القوات بعيدًا عن مناطق الخطر المباشر.

يؤكد الوجود العسكري الأميركي الكثيف في الشرق الأوسط أن المنطقة لا تزال تمثل أولوية استراتيجية للولايات المتحدة رغم التحولات في أولوياتها نحو آسيا والمحيط الهادئ. ومع استمرار التوتر الأميركي-الإيراني، ستبقى القواعد العسكرية الأميركية محاور رئيسية في معادلة الأمن الإقليمي، سواء كأدوات ردع أو منصات انطلاق لعمليات عسكرية محتملة