لم تكن كرة القدم في الكاميرون مجرد رياضة، بل كانت دائمًا ساحة صراع تعكس التدخلات السياسية والصراعات على السلطة.
على مر التاريخ، شهدت الكرة الكاميرونية تقلبات حادة، حيث ارتبطت نجاحات وإخفاقات "الأسود غير المروضة" بشكل وثيق بقرارات سياسيين، أكثر من ارتباطها بأداء اللاعبين داخل الملعب.
منذ استقلالها، أدركت الحكومة الكاميرونية قوة كرة القدم في توحيد الشعب وإلهاءه عن القضايا الداخلية، لذا، سيطرت الدولة بشكل كامل على الاتحاد الكاميروني لكرة القدم.
لم تكن القرارات الرياضية تُتخذ بناءً على أسس احترافية، بل كانت تخضع لمزاج السياسيين والمصالح الشخصية، هذا التدخل المستمر أثر على أداء المنتخب، حيث كان يتم استبعاد لاعبين أو ضم آخرين بناءً على اعتبارات لا علاقة لها بالمهارة.
لعل أبرز مثال على التدخل السياسي كان في كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، كانت الكاميرون تعيش فترة من التوتر السياسي والاقتصادي، واعتبر الرئيس الكاميروني آنذاك، بول بيا، أن نجاح المنتخب يمكن أن يهدئ من غضب الشارع، على الرغم من أن اللاعب الأسطوري روجيه ميلا كان قد اعتزل، إلا أن الرئيس تدخل شخصياً وأصدر أمراً بعودته للمشاركة في البطولة.
كانت هذه العودة مفاجئة للجميع وأثارت جدلاً واسعاً، خاصةً وأنها جاءت بقرار سياسي مباشر، ورغم أن ميلا كان يبلغ من العمر 42 عاماً، إلا أنه شارك وسجل هدفاً؛ لكن المنتخب الكاميروني خرج من البطولة بفضيحة كروية بعد هزيمته القاسية أمام روسيا بنتيجة 6-1، وهو ما كشف عن هشاشة الفريق وتأثره بالتدخلات التي أخلت بالتوازن الفني.
لم يقتصر التدخل على المنتخب الأول فقط، بل امتد إلى صراعات رئاسة الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، على مر السنوات، شهد الاتحاد فوضى إدارية بسبب التدخلات السياسية في الانتخابات، فكل مرشح كان يحظى بدعم فصيل سياسي معين، مما جعل الانتخابات تتحول إلى معارك سياسية بدلاً من أن تكون عملية ديمقراطية تهدف إلى اختيار الأفضل للكرة الكاميرونية، هذه الصراعات أدت إلى ضعف الاتحاد، وعدم وجود استراتيجية طويلة الأجل لتطوير اللعبة، فكل رئيس جديد كان يأتي ليفرض رؤيته، متجاهلاً ما سبقه، مما أدى إلى تراجع مستوى الكرة في البلاد، رغم وجود مواهب فردية استثنائية.
في محاولة لإنهاء هذه الحقبة، انتُخب أسطورة كرة القدم الكاميرونية صامويل إيتو رئيساً للاتحاد الكاميروني لكرة القدم، كان انتخابه بمثابة أمل في أن يتمكن لاعب سابق من تحرير اللعبة من قبضة السياسيين، ورغم أن إيتو بدأ عهده بوعود كبيرة، إلا أنه واجه تحديات هائلة، حيث اصطدم ببعض المسؤولين السياسيين الذين لا يزالون يتدخلون في شؤون الكرة، تبقى الأسئلة حول قدرة إيتو على إحداث تغيير جذري قائمة، خاصةً مع استمرار ظهور أخبار عن خلافات بينه وبين بعض الشخصيات السياسية والرياضية البارزة.
تاريخ الكرة الكاميرونية هو قصة كفاح مستمر ضد التدخلات السياسية، ورغم كل العقبات، استطاعت الكاميرون أن تنجب أجيالاً من اللاعبين الموهوبين، لكنها لم تستطع دائماً تحقيق أقصى إمكانياتها بسبب الصراعات الإدارية والسياسية.