كأنها برق أضاء سماء بلادنا.. جاعلاً من كل أفقٍ جديدٍ نجمًا يُنير الطريق نحو وطن مختلف.. في تلك اللحظات المفصلية.. بدأت مصر فصلاً جديدًا.. حيث كتبت ثورة الضباط الأحرار قصة تحولها من الملكية إلى الجمهورية، وأسست قاعدة جديدة للعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، هكذا كان المشهد الفاصل في تاريخ مصر مع اندلاع ثورة 23 يوليو 1952.
كانت مصر قد مرت بسنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، تكالبت فيها الأزمات، وتوالت فيها الحكومات المتعاقبة دون أن تجد البلاد طريقها للخلاص، كانت الأرض تئن تحت وطأة الفساد والمشاكل الداخلية، بينما كان الشارع المصري يغلي من التهميش والعجز الحكومي. أمام هذه المشاهد، اختار الضباط الأحرار، بقيادة جمال عبد الناصر واللواء محمد نجيب، أن يطرقوا باب المستقبل بيدٍ واحدة، إذ لا سبيل أمامهم إلا القفز إلى الأمام.
وفي 23 يوليو، أسفرت تلك اليد المرفوعة عن تحرير البلد من قبضة الملكية، لتعلن بداية عهد جديد من الحلم القومي الذي طالما راود الشعب المصري. جاء ذلك عبر نهج جذري يتضمن تطورًا اجتماعيًا واقتصاديًا أرسى أسس بناء دولة جديدة، تكون فيها الحقوق متساوية، والتنمية في خدمة الجميع.
كيف رأت الصحافة العالمية ثورة يوليو؟
كان العالم يشهد هذا الحدث التاريخي الذي قلب الموازين، وكانت الصحافة العالمية تتابع الأحداث وكأنها عاصفة لم تهدأ بعد. في صن هيرالد، نُشرت صورة للملك فاروق وهو يتخلى عن العرش، ليغادر مصر وكأنها صفحة مضت، بينما قدمت أمباير نيوز فرصة للملك ذاته ليحكي قصته من منفىٍ بعيد في سلسلة مقالات مثيرة، كان من بينها حديثه عن "الأكاذيب" حول ملايين الأموال المخبأة.
أما الجارديان البريطانية، فقد التقطت لحظة خاصة لرجل يلوح للرئيس محمد نجيب من شرفة منزله، مستعرضة مشاهد من رحيل الحكومة الائتلافية التي سادت عهد الملك فاروق. وعلى صفحات التايم الأمريكية، ظهر جمال عبد الناصر في صورة ملوّنة كأحد أبرز قادة الثورة، في لحظةٍ من التقدير الدولي لشخصيته المؤثرة في تاريخ المنطقة.
أصداء ثورة يوليو في ذاكرة الصحافة العالمية
وبينما تباينت الآراء حول الثورة بين من رأى فيها تحولًا تاريخيًا غير قابل للإنكار، وبين من اعتبرها انقلابًا عسكريًا، ظل تأثير ثورة 1952 طاغيًا، متسللاً إلى جدران التاريخ والإعلام على حد سواء.
الموسوعة البريطانية وصفت الحدث على أنه "انقلاب عسكري" بقيادة جمال عبد الناصر، بينما أشادت ذا نيو أراب بنجاح الضباط الأحرار في تحرير مصر من عصور مظلمة تخللتها الهزائم والتدهور الداخلي، محدثة بذلك تغييرًا جذريًا في الحياة السياسية.
الإنجازات التي لا تُنسى
على مدار السنوات التي تلت الثورة، لم تقتصر الإنجازات على تغيير السلطة فحسب، بل امتدت لتأسيس دولة تمتاز بالاستقلال الوطني، وتعزز العدالة الاجتماعية. من مجانية التعليم العام إلى إنشاء مراكز البحث العلمي، مرورًا بتطوير المستشفيات والمرافق العامة، قدمت الثورة نموذجًا جديدًا لتطور الدولة المصرية على أسس وطنية.
ولا تزال ثورة يوليو 1952، بعد أكثر من 70 عامًا، تثير الجدل والحديث. بين من يراها فصلًا مفصليًا في تاريخ مصر والعالم العربي، ومن يعتبرها انقلابًا في ملبس الثورة، تظل تلك اللحظة الخالدة في ذاكرة الأمة، شاهدة على فترة من التغير العميق في شكل الدولة المصرية ومفاهيمها. بين إنجازات حققت تغييرات جذرية في الحياة السياسية والاجتماعية، تبقى ثورة يوليو شاهدًا على قوة إرادة الشعب المصري في التغيير، مهما كانت التحديات.