لا يمكن فصل مسيرة الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا عن السياسة، فمثلما كانت حياته داخل الملعب مليئة بالثورة والتمرد، كانت مواقفه خارج المستطيل الأخضر انعكاسًا لقناعاته السياسية العميقة.

ولم يكن مارادونا مجرد لاعب كرة قدم، بل كان رمزًا للفقراء والمهمشين، وصوتًا مدويًا ضد الإمبريالية الأمريكية والليبرالية المتوحشة، وكانت علاقته بالرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس خير دليل على هذا التوجه.

أول رئيس من السكان الأصليين في بوليفيا

موراليس، أول رئيس من السكان الأصليين في بوليفيا، كان يتقاسم مع مارادونا الأفكار الاشتراكية والمشاعر المعادية للرأسمالية، لم تكن علاقتهما مجرد صداقة بين نجم رياضي ورجل دولة، بل كانت تحالفًا أيديولوجيًا بين ثوريين، أحدهما بالكرة والآخر بالسياسة. ​

صداقة تجاوزت الحدود

 ​بدأت علاقة مارادونا وموراليس في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، عندما كان موراليس يمارس السياسة بقوة ضد النفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية.

 وجد مارادونا في موراليس شخصية تشبهه في تمرده وعصيانه، فكلاهما جاء من خلفية شعبية فقيرة وقاوم سلطة الأقوياء، عبر مارادونا عن دعمه لموراليس في مناسبات عدة، وزار بوليفيا في أكثر من مرة، كانت زياراته تحمل طابعًا سياسيًا ورياضيًا في آن واحد، فكان يلتقي بالجماهير الغفيرة ويشارك في فعاليات رياضية، وفي الوقت نفسه يعبر عن تأييده المطلق لسياسات موراليس في تأميم الموارد الطبيعية وتوزيع الثروات بشكل عادل. ​

وفي عام 2017، قام مارادونا بخطوة رمزية مهمة حين شارك في مباراة ودية في العاصمة البوليفية لاباز على ارتفاع أكثر من 3600 متر فوق سطح البحر، وذلك لدعم حملة موراليس لرفع الحظر عن لعب كرة القدم في المرتفعات.

 كانت هذه المباراة رسالة واضحة من مارادونا إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بأن كرة القدم هي للجميع وليست حكرًا على من يستطيع اللعب في ظروف معينة. ​إرث مشترك من التمرد ​لم تكن علاقة مارادونا بموراليس حالة فريدة، بل كانت جزءًا من شبكة واسعة من العلاقات التي أقامها الأسطورة مع زعماء أمريكا اللاتينية اليساريين، مثل فيدل كاسترو وهوجو شافيز.

 كان مارادونا يرى في هؤلاء القادة تجسيدًا للمقاومة ضد الظلم الاقتصادي والسياسي، وكان يعتبر نفسه جزءًا من هذه المعركة، ​وفي المقابل، استغل موراليس ومعه زعماء اليسار في أمريكا اللاتينية شعبية مارادونا الجارفة لتعزيز قضاياهم وكسب تأييد الجماهير.

سفير غير رسمي للثورة في أمريكا اللاتينية

كان مارادونا بمثابة سفير غير رسمي للثورة في أمريكا اللاتينية، يسافر من بلد لآخر لينشر رسالته المعادية للرأسمالية ويشد أزر الحكومات التي تقاوم النفوذ الأجنبي، ​لم تكن صداقة مارادونا وموراليس مجرد علاقة شخصية، بل كانت رمزًا لتحالف بين الرياضة والسياسة، بين الثورة الشعبية والكرة. فكلاهما كان يحارب من أجل نفس القضية: العدالة الاجتماعية والمساواة.

 وعندما رحل مارادونا، نعاه موراليس بكلمات مؤثرة، مؤكدًا أن العالم فقد أسطورة كروية، لكنه أيضًا فقد محاربًا من أجل الشعب.