يعتبر الاقتصاد الأخضر من أبرز محاور السردية الوطنية المصري لعام 2030، فهو نموذج تنموي يسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وتقليل الانبعاثات والتلوث، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، مع ضمان العدالة الاجتماعية ورفاهية الإنسان بجميع الفئات.
دور الاقتصاد الأخضر في السردية الوطنية 2030 لمصر
رؤية مصر ٢٠٣٠ تهدف إلى أن تُصبح مصر دولةً ذات تنمية مستدامة تُوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
من أبرز أولويات الرؤية: تحسين جودة الحياة، تقليل الفقر، تحقيق التوزيع العادل للفرص، وحماية الموارد الطبيعية. الاقتصاد الأخضر يُعد ركيزة من ركائز هذه الأجندة، لأنه يسمح بأن يكون النمو الاقتصادي محمياً من المخاطر البيئية، مثل ندرة المياه، التغير المناخي، تدهور الأراضي.
كذلك، الاقتصاد الأخضر يندمج مع استراتيجيات وطنية مثل الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، وخطة مصر للطاقة المتجددة، والمشروعات الكبرى التي تربط بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
دور الاقتصاد الأخضر في التنمية المستدامة
التنمية المستدامة تعني النمو الاقتصادي، مع العدالة الاجتماعية، ومع الحفاظ على البيئة والموارد للأجيال القادمة. الاقتصاد الأخضر يسهم في ذلك بعدة طرق، مثل خفض الانبعاثات والتلوث، بالابتعاد عن مصادر الطاقة الأحفورية التقليدية إلى الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة الموارد، وخلق فرص عمل خصوصا في قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة، البناء الأخضر، النقل النظيف، إعادة التدوير.
كما يهدف الاقتصاد الأخضر إلى تحسين الصحة العامة وجودة الحياة، والتكيّف مع التغير المناخي، وإنشاء مشاريع مثل استصلاح الأراضي، حماية السواحل، البنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية، القدرة على مواجهة الكوارث المناخية.
هذه الأبعاد تؤكد أن الاقتصاد الأخضر ليس رفاهية بل ضرورة في السياق العالمي، خصوصا للدول التي تتأثر بشدة بالتغيرات المناخية وندرة الموارد مثل مصر.
أحدث الأرقام للاقتصاد الأخضر في مصر
المشروعات الخضراء المضمنة ضمن الخطة الاستثمارية تستهدف مصر أن تشكّل المشروعات الخضراء حوالي 55% من إجمالي الاستثمارات العامة في خطة العام المالي 2025/2026، مقارنة بنحو 50% في 2024/2025، وكان النسبة 15% تقريبًا في 2020/2021.
عدد مشروعات الخضراء وخطة مصر 2021/2022 كان عددها 691 مشروعاً بتكلفة حوالي 447.3 مليار جنيه.
وضخت مصر استثمارات ضخمة في مشروعات التخفيف والتكيف، حيث وضعت استثمارات خضراء ضخمة، منها استثمارات للطاقة المتجددة، النقل الأخضر، منظومة المخلفات الصلبة، وتحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
ومن أهم المشروعات التي نفذتها مصر، مشروع “بنبان للطاقة الشمسية” في أسوان، بقدرة إجمالية حوالي 1,465 ميجاوات، بتكلفة في حدود 2 مليار دولار، عدد الألواح الشمسية بالملايين، وفرص عمل مباشرة أثناء التنفيذ تُقدَّر بنحو 10 آلاف فرصة.
كما أن مصر أصدرت أول سند أخضر في المنطقة بقيمة 750 مليون دولار في سبتمبر 2020، كوسيلة تمويل لمشروعات بيئية ومناخية.
أمثلة بارزة لمشروعات الاقتصاد الأخضر في مصر
مشروع بنبان للطاقة الشمسية (Benban Solar Park, أسوان)
مشروع ضخم للطاقة الشمسية يقع في بنبان بمحافظة أسوان، يُعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية على مستوى العالم. القدرة الإنتاجية ~1,650 ميجاوات.
مشروعات الهيدروجين الأخضر
مصر بدأت التعاون مع دول وشركات عالمية لإطلاق مشروعات الهيدروجين الأخضر، كجزء من تحول الطاقة وتعزيز قدرتها على التصدير أو الاستهلاك المحلي بطريقة أقل تلويثاً.
محطة الطاقة الشمسية لشركة مصر للألومنيوم بشراكة مع شركة “سكاتك” النرويجية
قدرة حوالي 50 ميجاوات، لتلبية جزء من احتياجات الشركة من الكهرباء النظيفة وتقليل اعتمادها على مصادر تقليدية.
مشروعات النقل الأخضر، منظومات المخلفات، تحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي
هذه مشروعات تم الإعلان عنها ضمن خطة 2025/2026، كمشاريع “تخفيف” و”تكيّف” مع التغير المناخي: النقل الذكي، الطاقة المتجددة، منظومة المخلفات، محطات معالجة الصرف الصحي، تحلية المياه، مكافحة التصحر وتحسين التربة، حماية السواحل.
5. السندات الخضراء
إصدار السند الأخضر بقيمة 750 مليون دولار – يُعتبر ركيزة مهمة لتمويل المشاريع المناخية والبيئية.
الاقتصاد الأخضر وجذب الاستثمارات الأجنبية
وقال الدكتور طلعت عبد المجيد، أستاذ التخطيط الاقتصادي، إن الاقتصاد الأخضر من أهم عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية في السردية الوطنية، حيث يقدم حوافز تشريعية وبيئية، تُسهّل إعفاءات وتخفيضات ضريبية للمستثمرين في الطاقة المتجددة والمشاريع النظيفة، وضغط عالمي متزايد على الشركات للامتثال لمعايير الاستدامة. هذا يجعل مصر وجهة جذابةُ للمستثمر الأجنبي الذي يسعى أيضا لتحقيق أهداف الاستدامة الخاصة به.
وأشار إلى أن الاقتصاد الأخضر يجذب مشروعات كبيرة وتحالفات دولية، مثل مشروعات بنبان، الهيدروجين، والشراكات مع مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، البنوك التنموية وغيرها تُدخل رأس المال الأجنبي وتكنولوجيا متقدمة.
التأثير المحتمل على سعر الدولار مقابل الجنيه
الخبير الاقتصادي، شريف صقر، أكد: عندما تجلب مصر استثمارات أجنبية كبيرة، كأحد عوالم الاعتماد على الاقتصاد الأخضر، فهذا يُدخل عملة أجنبية صعبة (دولار، يورو …) إلى السوق المصري، مما يساعد على زيادة الاحتياطات الأجنبية، وهذا يُقلل الضغط على سعر الصرف، أو يفيد الجنيه في أوقات الطلب على الدولار.
وتابع: الاستثمار الأجنبي يُحسّن الثقة في الاقتصاد، مما يقلّل الهروب من الجنيه أو الطلب المضارب على الدولار.
وأكد: الاستثمارات الخضراء هي جزء من العوامل التي تساهم في تحسين الموازين المالية الخارجية، وزيادة تحويلات الأجانب، وتحسين الاحتياطي النقدي، مثلاً مشروع بنبان جذب استثمارات بمليارات الدولارات، وهذا يسهم في ضخ عملة أجنبية ضمن الاقتصاد.
أسباب ظهور الاقتصاد الأخضر
1. التغير المناخي والاحتباس الحراري: ارتفاع درجات الحرارة، زيادة الظواهر الطارئة مثل الجفاف والعواصف والفيضانات، مما يلزم سياسات تتيح التخفيف والتكيف.
2. ندرة الموارد الطبيعية: الماء، الأراضي الزراعية، الغابات، أنواع الأحياء البرية – كلها تعرضت لضغط متزايد نتيجة الاستهلاك الزائد.
3. التلوث الصحي والبيئي: تلوث الهواء والماء له تأثير مباشر على الصحة وجودة الحياة، مما يزيد من التكاليف الطبية والاقتصادية.
4. مطالب المجتمع الدولي والمعاهدات الدولية: اتفاقيات مثل اتفاقية باريس للمناخ، التوجه العالمي نحو إزالة الكربون، ومعايير الاستدامة التي أصبحت جزءًا من التجارة والاستثمار الدوليين.
5. الابتكار والتكنولوجيا: توافر تقنيات جديدة للطاقة المتجددة، تخزين الطاقة، النقل الكهربائي وغيرها جعلت الاقتصاد الأخضر أكثر قابلية للتطبيق وتنافسية.
6. المخاطر الاقتصادية طويلة الأمد: الاقتصاد التقليدي المعتمد على الوقود الأحفوري أو الصناعات الملوثة يحمل مخاطر مثل تقلبات أسعار النفط، السياسات الكربونية المستقبلية، وتكاليف التدهور البيئي.
الاقتصاد الأخضر.. درع مصر في مواجهة التغيرات المناخية
الخبير الاقتصادي هشام رضا، قال إن مصر تواجه تحديات غير مسبوقة نتيجة التغيرات المناخية، إذ تُعد من أكثر مناطق العالم تأثرًا بالظاهرة، خاصة مع تهديدات ارتفاع مستوى سطح البحر على دلتا النيل، وشُح الموارد المائية، وموجات الحرارة الشديدة، إضافة إلى مخاطر التصحر وفقدان الأراضي الزراعية، وهنا تأتي أهمية الاقتصاد الأخضر كأحد أهم الحلول الاستراتيجية لمصر لتقليل هذه المخاطر، وتحقيق تنمية مستدامة تراعي البُعد البيئي والاجتماعي والاقتصادي.
وقال رضا: أحد أبرز أدوار الاقتصاد الأخضر يتمثل في التوسع بمشروعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، والتي تُسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب الرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة، كما يعزز الاقتصاد الأخضر التوسع في النقل الكهربائي، والسكك الحديدية النظيفة، والمركبات الصديقة للبيئة، وهذه المشروعات تقلل من الانبعاثات والتلوث داخل المدن الكبرى، وتحد من ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، كما أن التوسع في المباني الخضراء يعزز كفاءة الطاقة، ويقلل من استهلاك الكهرباء للتبريد في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
اقتصاد أكثر مرونة أمام الأزمات
وأضاف رضا: من خلال تنويع مصادر النمو، بين الطاقة المتجددة، والصناعات الخضراء، والزراعة المستدامة، يصبح الاقتصاد المصري أكثر قدرة على التكيف مع الصدمات المناخية، كما أن تقليل الاعتماد على واردات الطاقة التقليدية يخفف من الضغوط المالية المرتبطة بأزمات أسعار النفط والغاز عالميًا، كما أن مشروعات الاقتصاد الأخضر تخلق آلاف الوظائف الجديدة، وتوفر فرص عمل للشباب في مجالات حديثة مثل الطاقة النظيفة وإدارة الموارد، مما يقلل من نسب البطالة والفقر، ويزيد من صلابة المجتمع في مواجهة التحديات المناخية.