أصبحت السواحلية الفنزويلية مسرح لاحتشاد القوات البحرية الأمريكية، والتشكيلات البحرية التي حشدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحت شعار الحرب علي تجار المخدرات، مما دفع كاراكاس إلي اتهام واشنطن انها بصدد شن "عدوان شامل" يستهدف إسقاط النظام والسيطرة علي مقدرات البلاد.

وتعود بداية الأزمة بين كاراكاس وواشنطن، الي أغسطس المنصرم، بعد بنشر سفن حربية في البحر الكاريبي، قبالة سواحل الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، ل مكافحة عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية، طبقا لتصريحات الرئيس الأمريكي.

وفي مؤتمر صحفي عقده الرئيس  الفنزويلي نيكولاس مادورو، الإثنين الماضي ، أتهم  الولايات المتحدة بالإعداد لـ"عدوان عسكري" ضد فنزويلا التي ستمارس "حقها المشروع في الدفاع عن النفس،

وتشهد الأزمة بين فنزويلا والولايات المتحدة تصعيدًا متسارعًا دفع المراقبين إلى التحذير من اقتراب المنطقة من مواجهة عسكرية مباشرة قد تهدد استقرار نصف الكرة الغربي بأكمله. التصريحات النارية الصادرة من واشنطن وكراكاس، والتحركات العسكرية على الأرض، وارتباك أسواق النفط العالمية، كلها مؤشرات على مرحلة جديدة من التوتر تتجاوز حدود المواجهة السياسية والاقتصادية التقليدية.

الاستعدادات العسكرية على الحدود
على امتداد الحدود الفنزويلية، وخصوصًا مع كولومبيا، شوهدت تحركات واسعة للقوات المسلحة الفنزويلية خلال الأيام الأخيرة. وزارة الدفاع الفنزويلية أعلنت رفع حالة التأهب إلى أقصى درجاتها ونشرت أكثر من عشرين ألف جندي في المناطق الحدودية الحساسة، مدعومين بمدرعات خفيفة وصواريخ دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى. كما تم تعزيز القواعد الجوية في ولايات تاتشيرا وزوليا لاستقبال طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي-30" ومروحيات هجومية، فيما أُجريت تدريبات ميدانية لمحاكاة صدّ أي توغل محتمل أو إنزال جوي معادٍ.

في المقابل، رصدت تقارير استخباراتية تحركات للقوات الأميركية في قواعدها بالكاريبي، مع تعزيز الوجود البحري بالقرب من السواحل الفنزويلية. الجيش الكولومبي أعلن تنفيذ تدريبات مشتركة مع وحدات أميركية تحت عنوان "حماية الاستقرار الحدودي"، وهو ما اعتبرته كاراكاس رسالة استفزازية تهدف إلى خلق ذريعة لتدخل عسكري. المشهد على الأرض بات ينذر بخطر حدوث احتكاك غير مقصود قد يشعل مواجهة أوسع.

تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب
في واشنطن، بدا خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر حدة خلال مؤتمره الصحفي الأخير في البيت الأبيض، حيث أكد أن "الولايات المتحدة لن تسمح بتحويل فنزويلا إلى قاعدة نفوذ لروسيا أو إيران في نصف الكرة الغربي"، معلنًا أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة. ترامب شدد على أن إدارته تعيد فرض العقوبات الاقتصادية بشكل أشد قسوة على قطاع النفط والغاز الفنزويلي، وأن وزارة الدفاع جاهزة لتنفيذ "إجراءات لحماية الأمن القومي الأميركي وشركائنا الإقليميين".

كما وجّه ترامب تحذيرًا مباشرًا إلى الجيش الفنزويلي، داعيًا قادته إلى "الانحياز للشعب" وعدم دعم ما وصفه بـ"النظام غير الشرعي". هذه التصريحات اعتبرتها دوائر دبلوماسية إشارة واضحة إلى إمكانية التحرك العسكري المحدود إذا استمر مادورو في ما تصفه واشنطن بأنه "قمع للحريات وتوفير ملاذ آمن لشبكات إرهابية ومهربي المخدرات".

موقف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو
ردّ مادورو بخطاب متلفز حمل نبرة تحدٍّ واضحة، مؤكدًا أن "فنزويلا لن تركع أمام الإمبريالية الأميركية" وأن أي اعتداء على الأراضي الفنزويلية سيُواجَه "بردّ ساحق". الرئيس الفنزويلي أعلن أن القوات المسلحة في "أقصى درجات الجاهزية القتالية"، وكشف عن تلقي بلاده دعمًا لوجستيًا واستشاريًا من روسيا وتعاونًا عسكريًا متزايدًا مع الصين وإيران، في إشارة إلى أن أي مواجهة قد تتخذ طابعًا دوليًا يتجاوز حدود فنزويلا.

مادورو اعتبر العقوبات الاقتصادية الأميركية "حربًا هجينة" تستهدف خنق فنزويلا وتجويع شعبها تمهيدًا لإسقاط حكومته، ودعا حلفاءه في منظمة بريكس ومنظمة أوبك إلى التضامن لمواجهة "الحصار الاقتصادي" والدفاع عن مبدأ سيادة الدول.

ارتباك أسواق النفط العالمية
الأزمة انعكست سريعًا على أسواق الطاقة العالمية، حيث ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 10% خلال أسبوع واحد وسط مخاوف من توقف الإمدادات الفنزويلية. كاراكاس تعد أحد أكبر مصدري النفط في العالم، وأي تعطيل في إنتاجها أو تصديرها سيؤثر بشكل مباشر على التوازن العالمي للسوق. شركات الطاقة الأوروبية والآسيوية أعلنت حالة طوارئ لمراجعة خطط الإمداد، بينما أبدت الصين والهند قلقًا من احتمال اضطرارها للبحث عن بدائل مكلفة.

من جهتها، أوبك دعت إلى تهدئة التوترات لتجنب اضطراب السوق بشكل أكبر، محذرة من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى فجوة في المعروض تدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ما سينعكس على التضخم والنمو الاقتصادي العالمي.

المواقف الإقليمية والدولية
دول أميركا اللاتينية انقسمت في مواقفها؛ إذ دعمت كولومبيا والبرازيل خطوات واشنطن، معتبرة أن نظام مادورو يمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي ويغذي الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات. في المقابل، دعت المكسيك وبوليفيا إلى الحوار وحذرت من أن أي تدخل عسكري سيؤدي إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين ويزيد التوترات في المنطقة.

على الصعيد الدولي، أبدت روسيا دعمًا علنيًا لمادورو وأرسلت مستشارين عسكريين لتعزيز قدرات الجيش الفنزويلي، بينما أكدت الصين التزامها باستمرار شحنات المعدات الصناعية والقروض طويلة الأجل لدعم الاقتصاد الفنزويلي. إيران وصفت المواجهة بأنها "معركة سيادة" وأعلنت استعدادها لتقديم دعم تقني في مجالات الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة.

تصاعد الخطاب الإعلامي
وسائل الإعلام في البلدين تبادلت الاتهامات على نحو غير مسبوق. الصحف الأميركية نشرت تقارير عن "تورط مسؤولين فنزويليين في شبكات تهريب مخدرات عابرة للقارات"، فيما بثّ الإعلام الفنزويلي صورًا لاستعراضات عسكرية وحشود جماهيرية لدعم الحكومة ضد ما وصفوه بـ"الغزو الأميركي المرتقب". هذا التصعيد الإعلامي ساهم في رفع حدة التوتر الشعبي والرسمي على حد سواء.

السيناريوهات المحتملة
يرى خبراء استراتيجيون أن جميع السيناريوهات مفتوحة في المرحلة الحالية. السيناريو الأول يتمثل في استمرار الضغوط الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية على نظام مادورو إلى أن يرضخ لمفاوضات تؤدي إلى انتخابات جديدة أو إصلاحات سياسية. السيناريو الثاني قد يشمل عملية عسكرية محدودة تستهدف منشآت عسكرية أو قيادات بعينها لإضعاف النظام دون الانخراط في حرب شاملة. أما السيناريو الثالث، والأكثر خطورة، فيتمثل في اندلاع مواجهة واسعة إذا وقع احتكاك مباشر بين القوات الأميركية والفنزويلية على الحدود أو في البحر الكاريبي.

في المقابل، تردّ واشنطن بأنها تخوض حرباً ضد المخدرات والإرهاب، محذرة من ارتباطات بين النظام الفنزويلي، إيران، وحزب الله. ما بين الروايتين، تتضح خريطة مواجهة جيوسياسية تتجاوز حدود فنزويلا لتصل إلى قلب الصراع الدولي على النفوذ في نصف الكرة الغربي.