شهدت العاصمة البريطانية لندن زيارة رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب استمرت ثلاثة أيام من 16 إلى 18 سبتمبر 2025، وهي الزيارة الثانية له منذ توليه الرئاسة، في سابقة غير معتادة على مستوى العلاقات الثنائية. وقد حظي ترامب وزوجته ميلانيا باستقبال ملكي كامل من الملك تشارلز الثالث، شمل موكبًا رسميًا وعشاءً فاخرًا في قلعة ويندسور. وقد التقى ترامب برئيس الوزراء كير ستارمر لإجراء مباحثات سياسية واقتصادية موسّعة.

 

150 مليار جنيه.. أضخم استثمارات أمريكية في بريطانيا

 

أبرز نتائج الزيارة تمثلت في إعلان الحكومة البريطانية عن تعهدات استثمارية أمريكية غير مسبوقة بلغت قيمتها 150 مليار جنيه إسترليني، وهي أكبر حزمة استثمارات تُعلن في تاريخ الزيارات الرسمية. وتصدرت شركة بلاكستون القائمة بضخ 90 مليار جنيه إسترليني في السوق البريطانية على مدى العقد المقبل. فيما خصصت شركة برولوجيس نحو 3.9 مليار جنيه إسترليني لقطاعات علوم الحياة والتصنيع المتقدّم، بما في ذلك تعزيز استثماراتها في حرم كامبريدج الطبي الحيوي وتحديث محطة داڤينتري الدولية للشحن بالسكك الحديدية. وبحسب التقديرات، فإن هذه الاستثمارات ستوفر ما يقرب من 7,600 وظيفة جديدة في المملكة المتحدة.

 

صفقة تكنولوجية تعيد رسم المستقبل

الزيارة أسفرت أيضًا عن توقيع ما عُرف بـ "اتفاق رخاء التكنولوجيا"، الذي يستهدف تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والطاقة النووية المدنية. وقد شاركت شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى في الاتفاق، حيث أعلنت مايكروسوفت عن استثمارات بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني (حوالي 30 مليار دولار أمريكي) في البنية التحتية السحابية والذكاء الاصطناعي. بينما تعهدت نيفيديا بتوفير وحدات معالجة متطورة ومشروعات بحثية. كما كشفت جوجل عن خطط لبناء مراكز بيانات جديدة وتوسيع حضورها البحثي والهندسي في بريطانيا، باستثمارات بلغت 5 مليارات جنيه إسترليني.

 

علاقة خاصة رغم الخلافات

 

سياسيًا، أعادت الزيارة التأكيد على “العلاقة الخاصة” بين لندن وواشنطن، رغم وجود تباينات في بعض الملفات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا والأزمة في غزة. وأكد ستارمر وترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك أن التعاون بين البلدين سيظل “متجددًا وغير قابل للكسر”، في حين تجنبا الخوض في التفاصيل الخلافية علنًا، مثل قضية الاعتراف بدولة فلسطينية أو سياسات الطاقة والمناخ.

 

احتجاجات في الشارع وغضب في البرلمان

ورغم المراسم الفخمة، لم تخلُ الزيارة من الجدل. فقد خرجت مظاهرات واسعة في لندن ومدن بريطانية أخرى احتجاجًا على سياسات ترامب الداخلية والخارجية. واعتبر معارضون أن الحكومة البريطانية قدّمت تنازلات سياسية مقابل مكاسب اقتصادية. كما أثارت قضايا مرتبطة بماضي ترامب، مثل علاقاته السابقة المثيرة للجدل، بعض الانتقادات داخل الساحة السياسية البريطانية.

 

مكاسب اقتصادية.. ومخاطر سياسية

بوجه عام، مثّلت الزيارة نجاحًا اقتصاديًا كبيرًا للحكومة البريطانية، إذ حققت استثمارات قياسية واتفاقيات استراتيجية قد تُغير ملامح الاقتصاد في مجالات التكنولوجيا والتصنيع. لكنها من ناحية أخرى، حملت مخاطر سياسية واجتماعية واضحة، أبرزها الانقسام في الرأي العام البريطاني حول جدوى استضافة ترامب بمثل هذه الحفاوة. وبذلك تظل الزيارة نقطة فارقة بين المكاسب الاقتصادية والتحديات السياسية التي ستحدد مآلات العلاقة بين البلدين في السنوات المقبلة.