خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يمر مرور الكرام، إذ حمل في طياته رسائل متضاربة وأطروحات وُصفت بالهزلية، من إنكاره للشرعية الدولية ومهاجمته للأمم المتحدة، إلى حديثه عن وقف "سبع حروب" من بينها "سد النهضة"، وهو ما اعتبره خبراء مصريون محاولة لتضخيم دور شخصي وادعاء بطولة وهمية. تصريحات ترامب فجّرت موجة انتقادات واسعة، أكد خلالها دبلوماسيون وعسكريون أن ما قاله "لا يمت للواقع بصلة" ويكشف عن رئيس يهوى الاستعراض أكثر من احترام الحقائق.

قال اللواء شبل عبد الجواد، رئيس قطاع مكافحة الإرهاب بالمنظمة العربية الأفريقية،إن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة كان "خطابًا هزليًا مليئًا بالتناقضات"، مشددًا على أنه أضعف من هيبة الولايات المتحدة كأكبر قوة عالمية.

وأضاف عبد الجواد لـ"خمسة سياسة": "الخطاب بدا موجهاً للداخل الأمريكي أكثر من كونه خطاباً دولياً، حيث ركز ترامب على التفاخر بإنجازاته الاقتصادية وانتقاد الإدارة السابقة، كما هاجم الأمم المتحدة قبل أن يعود في ختام حديثه ليوجه الشكر لها، في تناقض صارخ يقلل من مصداقية أكبر دولة في العالم."

وأشار إلى أن ترامب وصف الاعتراف بدولة فلسطين باعتباره "مكافأة لحماس"، وهو ما يعكس دعمه الواضح لاستمرار الحرب في غزة، مؤكدًا أن هذه الرؤية "تتناقض مع الزخم الدولي المتزايد لحل الدولتين"، وأن الرئيس الأمريكي "أراد استبعاد حماس من أي ترتيبات مستقبلية، محمّلًا العرب مسؤولية غزة عبر دعوات مبطنة لتولي أعباء القطاع بدلًا من إسرائيل".

 

وأوضح رئيس قطاع مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية أن عدم حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الاجتماع كان رسالة واضحة للولايات المتحدة: "هي رسالة اعتراض على السياسات الأمريكية تجاه غزة والشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه لم تقطع مصر خيوط التواصل حيث مثلها رئيس الوزراء، بما يعكس توازنًا دبلوماسيًا".

 

وفيما يخص تصريحات ترامب عن أنه "أوقف سبع حروب بينها حرب سد النهضة"، وصفها عبد الجواد بأنها "كلام هزلي لا أساس له من الصحة"، موضحًا أن مصر لم تكن في حالة حرب مع إثيوبيا من الأساس: "ملف السد تمت إحالته للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لكن لم يكن هناك حرب واقعة حتى يقول إنه أوقفها"، معتبرًا أن تصريحات ترامب "محاولة لإظهار نفسه كبطل سلام يستحق نوبل، بينما هو في الواقع شريك في معظم النزاعات".

 

وأكد عبد الجواد أن الخطاب يكشف "شخصية ترامب العصابية والمتناقضة"، قائلاً: "هو أكثر الرؤساء الأمريكيين غرورًا وتلونًا، يتحدث عن نفسه أكثر مما يتحدث عن العالم، ويضخم إنجازاته بينما يتجاهل أنه شريك في الحروب بالمنطقة"، لافتًا إلى أن "مطالبته الأوروبيين بربط حل الدولتين بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ما هو إلا غطاء لاستمرار العدوان الإسرائيلي".

 

واختتم بقوله: "خطاب ترامب خطاب ضعيف، هزلي، مليء بالمتناقضات، ويكشف عن وجه أمريكي لا يحترم الشرعية الدولية ولا يراعي مكانة الأمم المتحدة. وما فعله الرئيس السيسي بعدم حضور القمة كان أقوى رسالة سياسية على الموقف المصري الصلب".

 

ومن جانبه، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاعتراف بدولة فلسطين باعتباره "مكافأة لحماس" تعكس انحيازًا كاملًا لإسرائيل، واصفًا ترامب بأنه "أكثر الرؤساء تلونًا"، وأضاف: "لا أثق في ترامب على الإطلاق، وما يقوله من قبيل المكابرة والمغالطة التي لا أساس لها من الصحة"، مؤكدًا أن الدول العربية سترد عليه بوضوح: "لا، بالخط العريض".

 

وأوضح بيومي، لـ"خمسة سياسة"، أن دعوة ترامب لمشاركة عربية مباشرة في إدارة غزة ما هي إلا محاولة "لزحلقة المسؤولية عن الغزاويين"، قائلاً: "قول حق يراد به باطل.. يريد أن نحمل العبء بدلًا من الاحتلال الإسرائيلي، سواء باستيعاب الغزيين في بلادنا أو بتحمل تبعات العدوان عليهم".

 

وفيما يخص هجوم ترامب على الأمم المتحدة، أكد بيومي أن ذلك دليل على "رجل لا يخضع للشرعية الدولية ولا يعترف بالعدالة الدولية"، مشيرًا إلى أنه سبق أن عاقب قضاة المحكمة الجنائية ومنع دخولهم أمريكا. وأضاف: "ترامب ينتمي إلى أغنياء الحرب ويظن أن المال يحرك كل شيء، وهو لا يطيع العدالة الدولية ولا حتى أحكام المحكمة العليا في بلده"، واعتبر أن موقفه من المنظمة الدولية يكشف رغبته في اختراع "شرعية خاصة به".

 

وعن تمثيل مصر برئيس الوزراء مصطفى مدبولي بدلًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع ترامب مع القادة العرب، قال بيومي إن الخطوة تحمل دلالة واضحة: "هي رسالة بعدم الثقة في ترامب، لكن في نفس الوقت علاقتنا بالولايات المتحدة متميزة، ولذلك لم نرفض الدعوة بل أوفدنا مندوبًا بتمثيل مناسب".

 

وبشأن تصريحات ترامب عن "وقف حروب بينها حرب سد النهضة"، وصفها بيومي بأنها "كلام فارغ لا يساوي الحبر الذي كتب به"، مؤكدًا أن مصر لم تكن بصدد خوض حرب بسبب السد، خصوصًا وأن السنوات الأخيرة شهدت فيضانات ضخمة زادت عن احتياجات مصر: "فتحنا منخفض توشكى لتصريف المياه الفائضة.. فأين الحرب هنا؟"، مضيفًا أن ما قاله ترامب "قول غير حقيقي وغير دقيق".

 

وانتقد بيومي أيضًا سياسات ترامب الاقتصادية والدبلوماسية قائلاً: "هو لا يستمع لنصيحة أحد رغم امتلاكه واحدة من أعظم وزارات الخارجية في العالم، ويتخذ قرارات تضر بمصالح بلاده مثل فرض الرسوم الجمركية على الصين وأوروبا، في تجاهل لقواعد التجارة الدولية، ما يعكس قلة خبرة وعدم معرفة بالقانون الدولي"، مؤكدًا أن أسلوبه "شغل عصياني" يفاقم الأزمات بدل حلها.