شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في معدلات العنف بين الأطفال، سواء داخل المدارس أو في الأحياء السكنية، وهو ما أثار قلق كبير.

خبراء التربية وعلم الاجتماع والنفس، أكدوا أن هذه الظاهرة لا تُعد مجرد سلوكيات فردية عابرة، بل ناقوس خطر يهدد النسيج الاجتماعي ومستقبل الأجيال القادمة.

نرصد في الإنفوجراف التالي توزيع حوادث الأطفال ضد الأطفال في مصر حسب المحافظات خلال الفترة من 2020 حتى 2025، ومن البيانات، نجد أن محافظة الدقهلية سجلت أكبر عدد من الحوادث (8 حوادث)، تليها سوهاج بـ 6 حوادث، بينما سجلت محافظات مثل القاهرة وبورسعيد حادثة واحدة فقط لكل منهما.

هذا التوزيع يوضح أن بعض المحافظات تشهد تركيزًا أعلى لهذه الظاهرة، مما يشير إلى ضرورة التركيز على التدابير الوقائية والتوعوية في المناطق الأكثر تأثرًا.

ويعكس الإنفوجراف التالي نسبة الحوادث حسب المحافظات، ويبين بشكل واضح التوزيع الجغرافي لحوادث الأطفال ضد الأطفال في مصر خلال الفترة من 2020 إلى 2025.

تُظهر البيانات أن الدقهلية تمثل النسبة الأكبر (36%) من إجمالي الحوادث، تليها سوهاج بنسبة 27%، بينما المحافظات الأخرى مثل القاهرة وبورسعيد تمثل نسبًا صغيرة (حوالي 5% لكل منها).

وتجدر الإشارة إلى أن هذا يسلط الضوء على المناطق الأكثر تأثرًا بالظاهرة ويشير إلى الحاجة الماسة إلى برامج وقائية وتوعوية مركزة في المحافظات الأكثر تعرضًا للعنف بين الأطفال.

يعرض الإنفوجراف التالي توزيع حوادث الأطفال ضد الأطفال حسب نوع الواقعة خلال الفترة من 2020 إلى 2025، وتُظهر البيانات أن أكثر أنواع الاعتداء شيوعًا هي الطعن (8 حوادث)، تليها الاعتداء الفردي بـ5 حوادث، ثم الاعتداء الجماعي بـ4 حوادث، والاستدراج والاعتداء الجنسي بـ3 حوادث.

هذا التوزيع يوضح أن العنف الجسدي المباشر هو الأكثر انتشارًا بين الأطفال، ويشير إلى الحاجة إلى تدابير وقائية وتوعية مركزة للحد من هذه الأنماط العنيفة.

يعكس الخط الزمني التالي لتطور حوادث الأطفال ضد الأطفال من 2020 حتى 2025، تُظهر البيانات زيادة ملحوظة في عدد الحوادث من 2020 و2021 (حادثتان فقط لكل سنة) إلى ذروتها في 2023 بـ 6 حوادث، قبل أن تنخفض إلى 5 حوادث في 2024 وحادثة واحدة فقط في 2025.

هذا النمط يشير إلى تصاعد الظاهرة في منتصف الفترة ثم تراجعها مؤخرًا، ما قد يعكس تأثير التدابير الوقائية أو التغيرات الاجتماعية والنفسية على الأطفال خلال هذه السنوات.

قال الدكتور جمال فرويز استشاري طب نفسي لعلاج الأمراض النفسيه للاطفال، في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" إن المجتمع يمرُّ حاليًا بمرحلة انحدارٍ ثقافي متصاعد، مؤكدًا أن أسباب ذلك ترتبط أساسًا بتدهور التربية داخل الأسرة والعلاقات الأسرية المضطربة.

وأوضح أن الخلافات بين الزوجين وسوء العلاقة بين الأب والأم يؤثران على الناشئة ويقودان إلى سلوكيات عنفية أو انغلاق نفسي، قد تنعكس في تعاطٍ للمخدرات، إيذاء الذات، أو انحرافات سلوكية ودينية.

وأشار إلى أن انتشار الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي يزيد المشكلة، إذ يقضي الشباب أوقاتاً طويلة online ما يولّد مشاعر غيرة ومنافسة ويضعف القيم الأخلاقية والاجتماعية التقليدية مثل احترام الآخر والجار والأسرة.

وأضاف أن غياب التربية القيمية لدى كثير من الأسر يسهّل ظهور سلوكيات عنيفة وسلوكيات استغلالية بين المراهقين، وهو ما يحتاج تحركًا مجتمعيًا سريعًا.

وحذّر فرويز من أن هذه الظواهر ستتوسع ما لم تتخذ الجهات المعنية تدابير عملية، مشدداً على ضرورة تكاتف المؤسسات التعليمية والأسرة والجهات الأمنية والمنظمات المدنية لوضع حلول وقائية وتوعوية.

وختم بالقول إن المشكلة لها حلول واضحة إذا توافرت الإرادة والاهتمام من جميع الأطراف المسؤولة.

يقول الدكتور أحمد عبد الحميد، أستاذ علم الاجتماع، في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" إن "العنف لدى الأطفال انعكاس مباشر لأزمات الأسرة"، موضحاً أن الخلافات المستمرة بين الوالدين، وضعف الرقابة الأسرية، وغياب الحوار، كلها عوامل تدفع الطفل لتقليد ما يراه من سلوكيات عدوانية.

وأضاف أن الطفل حين ينشأ في بيئة تفتقد القيم والتواصل الصحي، يجد أن العنف وسيلة طبيعية للتعبير عن نفسه أو حل مشكلاته.

من جانبه، أشار الدكتور عبد الله حسن، خبير الطب النفسي للأطفال، في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" إلى أن "وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية العنيفة أصبحت عاملاً أساسيًا في تشكيل وعي الأطفال"، حيث تُطبع في أذهانهم مشاهد العنف بشكل متكرر، فيصبح استخدام القوة أمرًا عاديًا لا يثير لديهم شعورًا بالرفض. 

وأكد أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية يعزل الأطفال عن العلاقات الواقعية، ويزيد من حدة السلوكيات العدوانية.

خطورة الظاهرة على المجتمع

تؤكد الدكتورة نجاة فايز، خبيرة التربية، في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" أن استمرار هذه الظاهرة دون تدخل جاد يؤدي إلى "إنتاج جيل يفتقد مهارات الحوار، ويعتمد على العنف كآلية لحل النزاعات".

وأضافت أن الطفل العنيف قد يتحول في المستقبل إلى شاب أكثر ميلاً للجريمة أو الانحراف، وهو ما ينعكس سلباً على الأمن الاجتماعي.

سبل المعالجة

أجمع الخبراء على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب خطة شاملة، تبدأ من داخل الأسرة عبر غرس القيم الأخلاقية والدينية في نفوس الأبناء، والحرص على التواصل الإيجابي معهم، مع الحد من اعتمادهم المفرط على الهواتف والأجهزة الإلكترونية.

كما أوصى الخبراء التربويون بضرورة أن تضطلع المدارس بدور أكبر في تعليم الأطفال مهارات إدارة الغضب وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتخصيص أنشطة تربوية تعزز روح التعاون والعمل الجماعي.

وأشار الدكتور عبد الله حسن إلى أهمية "توفير مراكز دعم نفسي للأطفال الذين تظهر لديهم سلوكيات عدوانية، لمساعدتهم على إعادة التوازن النفسي والسلوكي"، مؤكداً أن التدخل المبكر يحول دون تفاقم المشكلة.

أما على المستوى المجتمعي، فيرى الدكتور أحمد عبد الحميد أن "إطلاق حملات توعية إعلامية حول مخاطر العنف، وتقديم قدوات إيجابية للأطفال، يمثلان خطوة مهمة للحد من الظاهرة"، داعيًا إلى تكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.