في قلب مصر، حيث يلتقي النيل بالتاريخ، كانت الرياضة يومًا انعكاسًا لصورة مجتمع يتغير، يتشكل، وينهض. لم تكن الرياضة مجرد منافسات وألقاب، بل كانت مرآة للهوية، ووسيلة للمقاومة، وأداة للبناء. ولم تأتِ لحظة أشد تأثيرًا في مسارها مثل تلك التي وقعت فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952.

قبل تلك الليلة، كانت الرياضة المصرية تعيش في ظل النظام الملكي، تألقت في الألعاب الفردية، وتصدرت ساحات الأولمبياد بفضل أبطال كخضر التوني، الذي حمل الحديد كما يحمل المقاتل سلاحه، وإبراهيم شمس الذي أضاء مجده في سماء لندن. المصارعة، الملاكمة، رفع الأثقال... كلها كانت ساحات للفرد، للموهبة الصلبة والإرادة الصامتة.

أما كرة القدم، تلك اللعبة التي كانت تشعل الحواري وتملأ القهاوي بالهتافات، فلم تكن قد نالت نصيبها من الرعاية أو التخطيط. بقيت في حدود الأندية، تمارسها الجماهير، وتحبها القلوب، لكن دون احتضان رسمي أو مشروع واضح.

في ظل هذا المشهد، كانت النوادي الرياضية تحمل طابعًا اجتماعيًا قبل أن تكون ملاعبًا للتنافس. تأسست نوادٍ كالأهلي والزمالك في بدايات القرن العشرين، ردًا على هيمنة الأندية الأجنبية، واحتضنتها النخبة المثقفة والمقاومة الوطنية. لم تكن هناك ملاعب فقط، بل قاعات للقراءة، ومساحات للنقاش، ومنابر للحرية. وكانت ميزانياتها تُبنى على الاشتراكات والتبرعات، لا على دعم الدولة.

ثورة يوليو لم تكن فقط زلزالًا سياسيًا أطاح بالنظام القديم، بل دشنت عهدًا جديدًا، أدركت فيه الدولة أن الرياضة ليست رفاهية، بل سلاح ناعم، قادر على تشكيل وعي أمة وبناء مجد دولي. ومنذ ذلك الحين، تحولت الرياضة إلى مشروع قومي، تفتح أبوابه للجميع، ويقف خلفه جهاز الدولة بكل ثقله.

أصبحت كرة القدم اللعبة الأولى بلا منازع، ليس فقط في الشارع، بل في صميم السياسات الرياضية. بُنيت الملاعب، ودُعمت الأندية، وتحوّل المنتخب الوطني إلى رمز يُوحِّد المصريين من الإسكندرية إلى أسوان. بدأ الأهلي والزمالك يسيطران على البطولات الأفريقية والعربية، وبدأت الصحف تُفرد الصفحات، والملايين تتابع المباريات كما يتابعون نشرات الأخبار.

ولم تُهمل الألعاب الأخرى، بل نالت من الرعاية ما جعل مصر قوة لا يُستهان بها في كرة اليد والسلة والطائرة. عادت الألعاب الفردية إلى دائرة الضوء، لكن هذه المرة برؤية أكثر اتساعًا. ظهر الاسكواش ليضع مصر على قمة العالم، وبرز الخماسي الحديث ليعكس عبقرية الرياضي المصري متعدد المهارات.

تحولت الرياضة إلى حق. إلى خدمة. إلى وسيلة لبناء الإنسان. ومنذ ذلك الحين، ظل الحلم الرياضي في مصر مشروعًا مستمرًا، تتغير الوجوه، وتبقى الرؤية: أن الرياضة جزء من الوطن، وأن انتصارات الأبطال هي انتصارات أمة بأكملها.

وهكذا، من خضر التوني إلى محمد الشوربجي، ومن ملاعب التراب إلى صالات البطولات، سارت الرياضة المصرية في طريق طويل، بدأ قبل الثورة، لكنه لم ينطلق إلا بعدها.