منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ظل صنع الله إبراهيم واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية والسياسية في مصر والعالم العربي، كاتبًا يوازن بين الحكاية والرأي، وبين الفن والموقف، لم تكت مسيرته مجرد صفحات روايات، بل كانت مسارًا حافلًا بالنضال والسجن، والانتصارات، والصدامات، والجوائز الممنوحة والمرفوضة.
الجوائز الأدبية والتكريمات
لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد كاتب يجمع الجوائز، بل كان صاحب موقف؛ يقبل ما يراه شرفًا ورفض ما اعتبره تنازلًا عن مبادئه.
حصل على جائزة العويس الثقافية عام 1991 عن مجمل أعماله، وجائزة كفافيس الدولية من اليونان عام 1994، إضافة إلى جائزة سلطان العويس للرواية عام 2014.
لكن في 2003، دوّى قراره برفض جائزة الدولة التقديرية في الآداب، حين صعد إلى المنصة في دار الأوبرا وأعلن رفضه بسبب موقفه من الحكومة المصرية آنذاك، في مشهد لا يزال محفورًا في ذاكرة الوسط الثقافي.
مسيرة صنع الله إبراهيم المُشرفة
بدأ صنع الله إبراهيم حياته طالبًا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، حيث انخرط في النشاط السياسي في خمسينيات القرن الماضي، وانضم إلى التنظيمات اليسارية.
في 1959، اعتُقل مع عدد من المثقفين والسياسيين في حملة شملت الشيوعيين والناشطين، وظل في السجن حتى عام 1964، وهناك بدأ مشروعه الأدبي الأول.
بعد الإفراج عنه، انخرط في العمل الصحفي، ثم تفرغ للكتابة الأدبية، جامعًا بين الحس الوثائقي والسرد الروائي، ليصبح واحدًا من أبرز من مزجوا السياسة بالأدب.
إرث صنع الله إبراهيم بين روايات والكتب وقصص الأطفال
قدّم صنع الله إبراهيم رصيدًا أدبيًا متنوعًا، بدأ برواية "تلك الرائحة" عام 1966 التي أثارت جدلًا واسعًا بسبب جرأتها في تناول الواقع المصري بعد السجن، تلتها أعمال بارزة مثل "اللجنة"، و"ذات"، و"شرف"، التي تناولت الفساد والبيروقراطية وأوضاع السجون آنذاك.
كتب أيضًا أعمالًا غير روائية مثل "يوميات الواحات" التي وثّقت تجربته في المعتقل، و"أمريكانلي" التي انتقد فيها الثقافة الأمريكية.
لم يغفل عن الأطفال، فأصدر قصصًا موجهة لهم، محاولًا غرس القيم النقدية والوعي بالتاريخ.
محطات مثيرة للجدل في حياته
ارتبط اسم صنع الله إبراهيم بعدة مواقف فجّرت النقاش العام، من أبرزها موقفه المعارض لسياسات الحكومة المصرية في 2003 الذي دفعه لرفض جائزة الدولة، وانتقاداته الصريحة للنظام السياسي والفساد الإداري، بالإضافة إلى مواقفه من بعض القضايا العربية مثل الاحتلال الأمريكي للعراق، ودعمه للقضية الفلسطينية في كل كتاباته.
حتى أعماله الأدبية كانت ساحة للجدل، حيث اتُهم بعضها بالحدة المفرطة في نقد المجتمع والسلطة، بينما اعتبرها آخرون نموذجًا للأدب الملتزم.
إرث لا يُمحى
على مدى أكثر من نصف قرن، ظل صنع الله إبراهيم نموذجًا للأديب الملتزم، الذي يرى الكتابة فعلًا مقاومًا لا يقل أهمية عن العمل السياسي، وترك بصمة واضحة في الرواية العربية، وفتح بابًا لأجيال جديدة كي تكتب بلا خوف، وتضع المبدأ قبل المجد الشخصي.