خبير عسكري: "إسرائيل الكبرى مجرد وهم.. ومصر عصيّة على الكسر"

 

 بيومي: "تصريحات للاستهلاك المحلي.. والواقع يبدد أوهام نتنياهو"

 

 

في خطوة أثارت عاصفة من ردود الفعل الإقليمية، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إحياء الجدل حول مفهوم "إسرائيل الكبرى"، وذلك خلال مقابلة أجراها مؤخراً مع الإعلامي اليميني ينون ماغال على "القناة 14" الإسرائيلية. خلال اللقاء، كشف نتنياهو عن طموحاته الشخصية بتحقيق ما وصفه بـ"حلم إسرائيل الكبرى"، وهي الرؤية التي تستند إلى خرائط تاريخية تتضمن أجزاءً من دول مجاورة، من بينها مصر والأردن، مما اعتبره مراقبون تصريحاً بالغ الخطورة يهدد أسس السلام والاستقرار في المنطقة.

 

تأتي هذه التصريحات في توقيت بالغ الحساسية، بالتزامن مع استمرار الحرب في قطاع غزة والتوترات المتصاعدة على عدة جبهات، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول النوايا الحقيقية للحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في تاريخها. فبينما يراها البعض رسالة موجهة للداخل الإسرائيلي المتطرف لكسب المزيد من الدعم السياسي، يعتبرها آخرون إعلاناً صريحاً عن سياسة توسعية قديمة يتم التمهيد لها. وفي هذا السياق، استطلعت "خمسة سياسة" آراء عدد من الخبراء العسكريين والدبلوماسيين لتحليل أبعاد هذه التصريحات وتداعياتها المحتملة على الأمن القومي المصري والعربي.

تصريحات نيتياهو هي مجرد أحلام وكلام هراء لا قيمة له على أرض الواقع

 

 وقال اللواء أركان حرب شبل عبد الجواد، رئيس قطاع مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية وقائد الشرطة العسكرية الأسبق والخبير العسكري، إن التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" هي مجرد أحلام وكلام هراء لا قيمة له على أرض الواقع، مؤكداً أن مصر بشعبها وقواتها المسلحة وقيادتها السياسية تدرك حجم هذه المخططات ولن تسمح لأحد بالنيل منها.

هذه التصريحات لن ترهبنا أو تقلل من عزيمتنا

 

وأوضح اللواء عبد الجواد في تصريحات خاصة لـ "خمسة سياسة"، أن هذه التصريحات، سواء كانت موجهة للداخل الإسرائيلي أو الخارج، هي تصريح رسمي لا يمكن الاستهانة بنواياه، ولكنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يتحقق.

 

وأضاف: "أقول لنتنياهو أنت تحلم، ولا تستطيع أن تفعل هذا أنت لا تتحدث مع كيان مهلهل، بل تتحدث عن شعب عندما يستشعر الخطر يخرج عن بكرة أبيه خلف قواته المسلحة. هذه التصريحات لن ترهبنا أو تقلل من عزيمتنا، وهي موجهة لدول أخرى قد تكون هشة، لكن مصر ليست كذلك".

 

وأضاف اللواء عبد الجواد أن من أعطى نتنياهو الفرصة لهذا الكلام هو ما حدث في السابع من أكتوبر، الذي وصفه بأنه "نكبة وتدمير شامل للقضية الفلسطينية". وتابع: "ما فعلته حماس هو تنفيذ لاتفاق إيراني، وكانت إسرائيل على دراية وعلم به، وقد أعطى هذا التحرك الفرصة لإسرائيل على طبق من ذهب لتنفيذ مخططاتها". واستشهد على وجود مخطط يستهدف مصر بتنظيم الإخوان المسلمين وحماس لمظاهرات أمام السفارة المصرية في تل أبيب ثم في دمشق، معتبراً ذلك كشفاً فاضحاً لتعاونهم في زعزعة استقرار الدولة المصرية.

 

وأشار الخبير العسكري إلى أن هذه المخططات نجحت في اللعب على الهوية العربية وخلق حالة من الانقسام والضعف في المنطقة، حيث أصبحت دول مثل سوريا وليبيا محتلة ومقسمة، مما أدى إلى حالة "مهلهلة" للشعوب العربية التي أصبحت منشقة على نفسها. وأكد أن الفرصة الذهبية لتنفيذ هذا المخطط ضد مصر كانت سانحة في 2011، ولكن وعي الشعب المصري وتلاحمه مع قواته المسلحة، الذي تجلى في ثورة 30 يونيو، أفشل هذا المخطط تماماً.

 

وشدد اللواء عبد الجواد على أن هناك دولاً عربية بعينها، وعلى رأسها قطر، تدفع الملايين من الدولارات بهدف تهميش الدور المصري في القضية الفلسطينية، ولكن التاريخ يثبت أن مصر هي صاحبة الفضل والمسؤولية عن هذه القضية منذ عام 1948. واختتم قائلاً: "مصر هي عصب هذه الأمة، وإذا نال أحد منها، راحت الأمة العربية كلها، وهذا لن يحدث. كل هذه المحاولات يائسة ولن تجدي نفعاً، فنحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي قالت 'لا' لأمريكا عدة مرات، وتصريحات نتنياهو فليبلها ويشرب ميتها"، حسب ما قال.

كلاماً موجهاً للاستهلاك المحلي

 

ومن جانبه، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن التصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسمى بـ "رؤية إسرائيل الكبرى" لا تعدو كونها "كلاماً موجهاً للاستهلاك المحلي"، مؤكداً أن مثل هذه الأطروحات لا تستحق الرد، وأن الهدف منها هو محاولة جر مصر لمواجهة لا تريدها.

 

وأوضح بيومي في تصريحات خاصة لـ "خمسة سياسة"، أن هذه التصريحات تأتي في سياق محاولة نتنياهو إرضاء شركائه في الحكم، مشيراً إلى الطبيعة الهشة والفريدة للحكومة الإسرائيلية. وقال: "يجب أن نلاحظ أن إسرائيل ليس بها حزب أغلبية، فنتنياهو لا يحكم بأغلبية، بل بحكومة عجيبة مكونة من أحزاب صغيرة جداً انضمت لبعضها". وأضاف بيومي: "منذ نشأة إسرائيل، لم يتمكن أي حزب من الحصول على 50% من الأصوات، وبالتالي فالحكومات دائماً ما تكون ائتلافات هشة، وهذا يفسر لماذا يحتاج نتنياهو لمثل هذه التصريحات لإرضاء شركائه".

ما يقرب من 500 ألف شخص غادروا اسرائيل

 

وعن مدى واقعية هذه الطموحات، شدد مساعد وزير الخارجية الأسبق على استحالتها العملية والديموغرافية، متسائلاً: "من أين سيأتي بسكان ليعمروا سيناء؟ هل يعلم أن سيناء تبلغ ثلاثة أضعاف حجم فلسطين؟". وأشار إلى أن تعداد إسرائيل السكاني يتناقص، حيث غادرها ما يقرب من 500 ألف شخص منذ بدء الحرب الأخيرة، لأن المواطن الغربي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية "لن يترك بلده المستقر ليأتي ويعيش في بلد كلها حرب وكرب".

 

وفي المقابل، أشاد السفير جمال بيومي بما وصفه بـ "الصمود الفلسطيني"، الذي يعتبره الحصن المنيع ضد هذه المخططات. وقال: "الشيء الذي أنا معجب به هو الصمود الفلسطيني، فأهلها قاعدين في بلدهم ولم يخرجوا، بل عادوا إلى بيوتهم المتهدمة لإصلاحها، وهو ما تدعمه مصر عبر مبادرات إعادة إعمار غزة".

 

وحذر بيومي من أن الهدف الخفي لهذه الاستفزازات قد يكون "جرجرة مصر لمواجهة مع الولايات المتحدة"، وهو ما ترفضه القاهرة. وأكد على استقلالية الموقف المصري، قائلاً: "نحن نتعامل مع الولايات المتحدة كند، وبعض الناس لا يعلمون أن 70% من تصويت مصر في المحافل الدولية يأتي عكس التصويت الأمريكي، فأين هي التبعية التي يتحدثون عنها؟".

 

واختتم السفير جمال بيومي حديثه لـ "خمسة سياسة" بالتأكيد على أن مصر دولة عظمى بتعدادها السكاني الذي يتجاوز 120 مليون نسمة، ولا يمكن المساس بها. ووصف المستعمرات الإسرائيلية بأنها "بيوت أشباح"، نقلاً عن مجلة "الإيكونومست" البريطانية، لعدم وجود من يسكنها. مؤكداً أن هذه التصريحات لا تستحق عناء الرد".