شهدت الأوساط العقارية لملاك الوحدات السكنية المستخدمة كإيجار قديم، في مصر حالة من الارتياح بعد صدور التعديلات الأخيرة على قانون الإيجار القديم، وهو القانون الذي ظل مثار جدل واسع لعقود طويلة بين الملاك والمستأجرين.
وعبّر عدد كبير من الملاك عن سعادتهم البالغة بهذه الخطوة التي اعتبروها "تصحيحًا لمسار تاريخي طال انتظاره" رغم تطبيق القانون على 5 سنوات.
المهندس أحمد كمال، مالك عمارة سكنية في وسط القاهرة، يؤكد أن 4 شقق سكنية من العمارة مغلقة، بعدما مات المستأجرين، ورغم عدم حاجة الورثة لهذه الوحدات لكنهم متمسكين بيها ولا يريدون إعادتها، ما يجعل هذه الوحدات قيمة كبيرة مهدرة.
وأوضح أن التعديل يفتح الباب أمام استثمار حقيقي في العقارات القديمة، بعدما كان الملاك عاجزين عن تطوير مبانيهم بسبب ضعف العائد، وقال: "الآن يمكننا إعادة ترميم وصيانة العمارات بشكل يليق بالقيمة التاريخية والمعمارية لها".
وشهدت مصر خلال الخمسين عامًا الماضية تراجعًا كبيرًا في نسبة الأسر المقيمة في شقق الإيجار القديم.
فوفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كانت نحو 29% من الأسر المصرية تعيش في وحدات إيجار قديم خلال سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تتراجع النسبة إلى 25% منتصف التسعينيات مع صدور قانون 1996 الذي أنهى الامتداد القانوني للعقود الجديدة.
وبحلول تعداد 2017، انخفضت النسبة إلى 7% فقط من إجمالي الأسر، ما يعكس تغيرًا جوهريًا في خريطة السكن بمصر، وانتقال الاعتماد تدريجيًا إلى الإيجار الجديد والتملك.
هذا التراجع التاريخي يعكس أبعادًا اجتماعية واقتصادية وتشريعية، ووضع ملف الإيجار القديم على رأس القضايا العقارية الأكثر جدلًا في مصر عام 2025.
القاهرة الكبرى تستحوذ على النصيب الأكبر في خريطة الإيجار القديم
تكشف بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن القاهرة الكبرى ما زالت تتصدر المحافظات من حيث انتشار شقق الإيجار القديم، حيث تستحوذ وحدها على النسبة الأكبر من هذه الوحدات، مقارنة بباقي الأقاليم.
ففي حين تتراجع نسب الإيجار القديم في محافظات الصعيد والوجه البحري مع تزايد الاعتماد على التمليك، تظل القاهرة والجيزة والإسكندرية هي المراكز الأساسية لهذا النمط السكني.
ويعكس هذا التوزيع الجغرافي الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات، إذ ارتبط نظام الإيجار القديم تاريخيًا بالمدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية والطلب المرتفع على السكن.
54% سكني و46% غير سكني.. واقع وحدات الإيجار القديم في مصر
تكشف بيانات مرصد العمران أن وحدات الإيجار القديم في مصر موزعة بين الاستخدام السكني والغير سكني بشكل شبه متوازن، حيث تمثل الوحدات السكنية حوالي 54% من الإجمالي، مقابل 46% مخصصة للأنشطة التجارية والمكاتب والمخازن.
ويوضح هذا التوزيع أن قضية الإيجار القديم لا تقتصر على ملف السكن والأسر فقط، بل تشمل أيضًا الجانب الاقتصادي المرتبط بالمحال التجارية والنشاط التجاري.
كما يعكس هذا الواقع التحديات المتعددة التي تواجه الملّاك والمستأجرين على حد سواء، سواء من ناحية الاستمرارية السكنية أو الاستثمارية.
القاهرة والإسكندرية في الصدارة.. خريطة الإيجار القديم في مصر
تكشف بيانات توزيع وحدات الإيجار القديم في مصر أن القاهرة الكبرى تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الوحدات، حيث يبلغ عدد الوحدات فيها حوالي 1,099,426 وحدة، تليها الإسكندرية بـ 433,761 وحدة، والجيزة بـ 562,135 وحدة.
بينما تتوزع بقية الوحدات بين المحافظات الأخرى بنسب أقل بكثير، مثل القليوبية (269,403) والدقهلية (80,591) والشرقية (59,503)، فيما تسجل محافظات جنوب الصعيد مثل سوهاج (49,235) وأسوان (14,927) أعدادًا منخفضة نسبيًا.
ويعكس هذا التوزيع الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات، إذ يتركز الإيجار القديم بشكل واضح في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية والطلب المرتفع على السكن، ما يجعلها محور اهتمام الملّاك والمستأجرين على حد سواءوقال سعد عبد الكريم، "مالك شقة في منطقة الدقي" إنه يشعر وكأن "بابًا من العدل قد فُتح من جديد"، موضحًا أنه كان يمتلك عقارًا يدر دخلاً زهيدًا لا يتناسب مع قيمته الحقيقية، حيث تصل قيمة الشقة إلى 5 ملايين جنيه بينما يحصل على 20 جنيها فقط من المستأجر.
وأضاف أن التعديل أنصف الملاك بعد سنوات من المعاناة، وأعاد لهم جزءًا من حقوقهم.
أما الحاجة فاطمة، صاحبة عقار في مصر القديمة، فأكدت أنها انتظرت هذه اللحظة أكثر من 30 عامًا، حيث كانت تمتلك شقة إيجارها الشهري لا يتجاوز 8 جنيها، في وقت تضاعفت فيه أسعار العقارات بشكل كبير، وحتى أسعار السلع الاستهلاكية.
وتتفق آراء الملاك على أن التعديلات الأخيرة تمثل خطوة تاريخية تعيد الثقة في المنظومة العقارية وتحقق قدرًا من العدالة الاجتماعية، مؤكدين أن هذه القرارات تصب في صالح الاقتصاد، وتساهم في تنشيط سوق العقارات.
وبينما لا يزال الجدل قائمًا حول كيفية تطبيق القانون بشكل عادل ومتدرج، يظل الشعور السائد بين الملاك هو الفرحة والارتياح بعد أن تحقق مطلب انتظروه لعقود طويلة.