في قلب الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، لم تكن المقاومة تقتصر على المعارك العسكرية والعمليات الفدائية فقط، فقد أدرك قادة جبهة التحرير الوطني أهمية كل الأدوات المتاحة لخدمة القضية، ومن بينها الرياضة.
في عام 1958، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من الجزائر، انطلقت شرارة ثورية جديدة في عالم كرة القدم، كان أبطالها مجموعة من اللاعبين الجزائريين المحترفين الذين قرروا التخلي عن أمجاد الملاعب الأوروبية ليلتحقوا بصفوف المقاومة.
كانت فكرة جبهة التحرير الوطني لكرة القدم حاسمة ومدروسة، فقد كانت فرنسا تستخدم نجوم كرة القدم الجزائريين كدليل على "الاندماج" و"التعايش" بين الفرنسيين والجزائريين، وهو ما كان يتعارض تمامًا مع الواقع المرير الذي كان يعيشه الشعب الجزائري، ولذلك، كان لابد من سحب هذه الورقة من يد المستعمر.
في 13 أبريل 1958، انطلقت عملية سرية محكمة، غادر 10 لاعبين محترفين في الدوري الفرنسي، من بينهم نجوم كبار مثل رشيد مخلوفي ومصطفى زيتوني، معسكرات فرقهم في جنح الظلام وتوجهوا إلى روما، ومنها إلى تونس، وهناك انضموا إلى لاعبين آخرين قادمين من دول أوروبية مختلفة، ليشكلوا فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، لم تكن هذه المغادرة مجرد هروب، بل كانت إعلانًا صريحًا للعالم أجمع أن هؤلاء اللاعبين يرفضون تمثيل فرنسا ويفضلون الدفاع عن قضيتهم الوطنية.
كانت هذه الخطوة بمثابة صدمة قوية للمسؤولين الفرنسيين، فكيف يمكن لأفضل اللاعبين الجزائريين التخلي عن كل شيء من أجل الانضمام إلى الثورة؟ ردة الفعل الفرنسية كانت عنيفة حيث قام الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بإصدار قرار بمنع أي فريق أوروبي من اللعب ضد هذا الفريق الثوري؛ لكن هذه الإجراءات لم تكن لتوقف مسيرة الفريق.
تحت قيادة المدرب محمد بومزراق، انطلق الفريق في جولة عالمية، زاروا عدة دول عربية وآسيوية وأوروبية، لم تكن هذه الجولة بهدف لعب كرة القدم فقط، بل كانت حملة دبلوماسية و سياسية بامتياز، في كل دولة يزورونها، كان الفريق يشارك في مباريات ودية، وتستغل قيادته الفرصة للتواصل مع الرأي العام العالمي وشرح أبعاد القضية الجزائرية، لقد كان هذا الفريق بمثابة "سفارة متنقلة" للثورة الجزائرية، حيث استطاع أن يصل إلى فئات من الناس لم تكن لتتعرف على القضية عن طريق الدبلوماسية التقليدية.
لقد لعبت هذه الحملة دورًا كبيرًا في حشد الدعم الدولي للقضية الجزائرية، فبفضل المباريات التي خاضها الفريق في دول مثل الصين وفيتنام ويوغوسلافيا والمغرب وتونس وليبيا، تم كسر حاجز العزلة الذي كانت فرنسا تحاول فرضه على الثورة، وأصبح أسم "الجزائر" مرتبطًا ليس فقط بالحروب، بل أيضًا بأسماء رياضيين كبار يضحون بمستقبلهم المهني من أجل حريتهم.
قصة فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم في عام 1958 هي دليل ساطع على أن الرياضة يمكن أن تكون أداة قوية في خدمة السياسة، وأنها يمكن أن تساهم في تحقيق الأهداف الوطنية، لقد أثبت هؤلاء اللاعبون أن الوطنية ليست مجرد شعارات، بل هي تضحيات وإخلاص للقضية، حتى لو كان ثمن ذلك التخلي عن الشهرة والنجومية، كانت رحلتهم من الملاعب الأوروبية إلى صفوف الثورة بمثابة رسالة واضحة للعالم.