كيف تصدى اللوبي الإسرائيلي للأعمال العربية والفلسطينية؟

 
لم يكن الصراع العربي الإسرائيلي محصورًا في ميادين القتال أو أروقة السياسة، بل امتد إلى فضاء الثقافة والفن حيث تدور معركة موازية لا تقل ضراوة.، فالكيان الإسرائييل أدرك مبكرًا أن الصورة قادرة على اختراق العقول والوجدان أكثر مما تفعل البيانات العسكرية، لذلك لم تتردد في التصدي لكل عمل فني يُعري ممارساتها أو يُعيد للقضية الفلسطينية وصراعاته العربية حضورها في الضمير العالمي. 
فكان الصراع العربي مع الكيان فنيًا منذ الخمسينات من القرن الماضي، وحتى الأن، ولكن مع تغير أوراق اللعبة السياسية في العالم أجمع،  فهناك قرارات أصبح اللوبي الصهيوني لم يستطع التحكم بها أمام أعين العالم متمثلًا بالأعمال الفنية ليتغير زمن "ناجي العلي" لـ"صوت هند رجب".

بدء اللعبة بيد "ناصر"

كانت أول ما دق أبواب الصراع عربيًا هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1956، حين طلب مجلس قيادة الثورة بخطو سياسية أن تقوم الفنانة ماجدة الصباحي بالتقديم بفيلمها "أين عمري" لمهرجان كان السينمائي الدولي، وإن تمت الموافقة يكون هذا اعتراف من العالم بالنظام المصري الجديد.
وبالفعل تم قبول الفيلم، وحظيت ماجدة، وفقًا لما قالت بالمذكرات الخاصة بها، أنها حظيت بحفاوة لم تكن تتوقعها أبدا لمجتمع جديد عليها بشكل كبير، وأصبحت هي حديث الإعلام والصحافة والجمهور الذي اقتحم الفندق التي كانت تجلس به.
بالإضافة إلى عرض فيلمها أكثر من مرة بالمهرجان وهذا على عكس كافة القوانين المتعارف عليها بالمهرجان، لتفاجئ بالنهاية بعدم حصولها على أية جائزة للفيلم، مُتهمة الكيان الصهيوني باللوبي الخاص به، بالوقوف أمام الفيلم متسببًا بعد حصوله على جوائز على عكس ما رات بأعينها من إعجاب بالفيلم وحفاوة به.

الحصار والمنع غير المباشر كأداة للّوبي الصهيوني

 
حاول اللوبي الصهيوني إسكات الأصوات الفنية على مدار السنوات بشكل كبير، كان منها الراحل سعيد صالح الذي تم التهديد بخطف ابنته، بسبب مسرحية "كعبلون"، حين تم عرضها بأمريكا بسبب ما احتوته من إسقاطات.
بالإضافة، إلى أنه في عام 2016، حاول اللوبي الإسرائيلي في فرنسا، تحديدًا جماعة CRIF، منع عرض فيلم وثائقي فلسطيني عن هجوم ميونيخ 1972 في مهرجان كان، ولكن لم يتمكن من ذلك رغم الضغوطات المتعددة والمراسلات مع إدارة المهرجان وحتى عمدة مدينة كان.
وأكد المخرج الفلسطيني محمد كرمي،  إن مسألة محاربة الأعمال الفنية الفلسطينية والعربية، هي واقع ملموس ومدروس، فاللوبي الصهيوني موجود بالفعل داخل مفاصل الصناعة السينمائية والإعلامية العالمية، ويمارس تأثيراً واضحاً على مستويات عدّة، مثل القوة الناعمة والسيطرة على السردية، فاللوبي الصهيوني يوظّف إمكاناته المالية والسياسية والإعلامية لصياغة صورة محددة عن الصراع.
وأضاف لـ"خمسة سياسة"، إن إسرائيل غالباً ما تُقدَّم في الأفلام والبرامج الغربية بوصفها دولة "ديمقراطية متقدمة"، بينما يُختزل الفلسطيني في صورة  "المخرّب" العنيف، وهذه ليست صدفة؛ إنها نتاج عمل مؤسسات ضغط، وشركات إنتاج وتوزيع، وعلاقات عامة تمتلك القدرة على فرض خطاب معين وتكراره حتى يصبح مألوفاً لدى الجمهور.
و المحاصرة والمنع غير المباشر أحد مفاعيل التاثير الصهيوني على المؤسسة السينمالية العالمية.

تدخلات سياسية تمنع الأعمال الفلسطينية من الجوائز

 
تطورت المقاومة الفلسطينية، وقابل ذلك تطور عداون لكاميرا وعمل فني، لنحجد أنه بعام 2002، عُرض فيلم "Divine Intervention"، بمهرجان كان ولكنه تعرضت لغضوطات كبيرة، كما أنه لم يُعرض رسميًا كمرشح لجائزة الأوسكار عن فئة Best Foreign Language Film، بسبب عدم اعتراف الأكاديمية بالدولة الفلسطينية رسميًا، إذ رفضت تقديمه باسم فلسطين خشية الجدل السياسي، رغم أن البعض يرى أن الخطوة كانت نابعة من ضغوط سياسية متضمنة.
لم يكن هذا العمل وحده، بل كان هناك فيلم "يد ألهية" وغيرها من الأعمال التي لم تصل إلى أبواب الجوائز بسبب تدخلات الكيان الصهيوني.
وهذا ما أكده الكرمي، في تصريحاته، قائلًا:" هناك ضغوط على لجان التحكيم في المهرجانات الدولية، وأحياناً انسحاب رعاة أو مانحين بحجة "الحياد"، فيتم استهداف المخرجين والفنانين بتهمة "معاداة السامية"، وهذه التهمة كثيراً ما تُستعمل كسلاح جاهز لإقصاء الأصوات المعارضة، وبعض المهرجانات تتلقى اعتراضات رسمية أو تهديداً بخسارة الدعم في حال عرض أفلام فلسطينية أو منحها الجوائز.
وهو ما حال دون حصول بعض الأفلام الفلسطينية على ما تستحقه من جوائز كبرى، إلا أن وجودها في حد ذاته على المنصات العالمية ومخافل المهرجانات الدولية  يُعَدّ انتصاراً.

2025.. عام تغيير كل شئ 

مع حصول فيلم "صوت هند رجب" على جائزة الأسد الفضي، بالدورة الأخيرة لمهرجان فينيسيا، وهو ما يعد حدثًا واعترافًا غربيًا بأزمة الصراع الإسرائيلي ومعاناة الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا لا يمنع تعرض الفيلم، حسب تقارير، لـ"تشويه" من قبل أوساط محسوبة على الرواية الإسرائيلية، وبعض المحللين تناولوه كإهانة للرواية السائدة، لكن لم تُوثّق أي محاولة رسمية لمنعه من العرض.
 
ولكنه جاء تحريك للمياه الراكدة، في أروقة مهرجان فينيسا وبحضور فناني العالم أجمع، وخاصة مع تزامن عرضه مع احتجاجات جماهيرية تحت شعار "حرروا فلسطين"، وكذلك إطلاق حديث علني من نجوم هوليوود الذين دعموا الفيلم ومنهم براد بيت وخواكين فينيكس.
 
وهذا ما قال عنه الناقد طارق الشناوي، " ما يمارسه نتنياهو من وحشية ودموية جعل الحياد أمرًا مستحيلًا؛ فالمهرجانات العالمية لا يمكنها أن تغض الطرف عن القيم الإنسانية، إذ لطالما كانت منابر للتعبير عن الضمير الإنساني، والنجوم بدورهم ينحازون دائمًا إلى هذه القيم، لأنه حين يُعتدى على البشر بوحشية، وتُقتل الأطفال، ويُحرم الأبرياء من الغذاء والماء، فإن الإنسانية جمعاء لا يمكن أن تغفر أو تصمت".
 
مُضيفًا لـ"خمسة سياسة"، " من المعروف أن للّوبي الصهيوني تأثيرًا واسعًا في هوليوود، وأن النفوذ الذي يمارسه هناك شديد الوضوح، لكن هذا لا يعني أن هوليوود كلها واقعة تحت سيطرته الكاملة أو أن جميع الأصوات تنطق بلسانه. فقد وُجدت دائمًا محاولات لرؤية العالم من زاوية مغايرة للصورة التي يفرضها الإعلام أو يروجها هذا اللوبي، غير أن الصوت الأعلى والأكثر حضورًا ظل في معظم الأحيان منحازًا لإسرائيل".