في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة"، كشف الجندي محمد النمر أسرار مشاركته في حرب أكتوبر، من دخوله الجيش سنة 1970، إلى دوره في سلاح الحرب الإلكترونية، وانخراطه في العمليات على الجبهة، والصعوبات التي واجهها وفريقه، والمعجزات التي رافقتهم أثناء المعارك.
محمد النمر يروي شهادته بدقة وبتفاصيل دقيقة، مقدماً للقراء صورة حية لمهام الجنود وراء الأجهزة والتكنولوجيا في واحدة من أهم الحروب في تاريخ مصر.
دخول الجيش وسلاح الحرب الإلكترونية
محمد النمر يروي: "أنا دخلت الجيش سنة 70، والتحقت بسلاح جديد اسمه سلاح الحرب الإلكترونية، كان أول مرة يخش مصر، وكان جزءًا من الاستعداد بعد هزيمة 1967، وخصوصًا أحداث باخرة "ليبرتي" الأمريكية التي أعطت أوامر للجيش المصري بالانسحاب"
وأضاف إن الباخرة ضربتها إسرائيل وأعلنوا أن مصر هي اللي ضربتها، وأكد أن الرئيس آنذاك أشاد بسلاح الحرب الإلكترونية في خطاب رسمي، معتبرًا إياه قوة جديدة يمكن الاعتماد عليها في المعارك.
التكنولوجيا القديمة وأجهزة التشويش
النمر تحدث عن الأجهزة التي استخدموها وقال: "الأجهزة كانت قديمة جدًا، تعتمد على الصمامات، بينما الترنزستور اكتشف سنة 1948، روسيا أعطتنا الأجهزة على أنها حديثة، لكن برغم قدم التكنولوجيا، ساعدتنا في مهمتنا"
وأوضح أن أجهزة الإعاقة كانت محطات إرسال مثبتة على ارتفاع 12 مترًا، وكان الهدف منها التشويش على أجهزة العدو، رصد الترددات، وتحليلها قبل إرسال المعلومات لمركز العمليات، وأكد: "بالخبرة والممارسة وصلنا إلى معرفة كيف يحوّل العدو على الخطوط الاحتياطية دون أن ندرك ذلك، وفترة اللا سلم واللا حرب كانت أساسية لرصد كل الترددات".
الحرب الإلكترونية: استراتيجية على الجبهة
النمر أوضح أن تشغيل أجهزة التشويش كان ممنوعًا أثناء وقف إطلاق النار: "التشويش يعتبر كإنك بتضربي طلقة، لذلك كان شغلنا الأساسي هو رصد المحطات وتسجيل الترددات، ثم معرفة كيف يتم التحويل بين الخطوط المختلفة".
وعندما بدأت الحرب، أصبح لديهم جميع الترددات جاهزة للتشويش بسرعة وفاعلية، برغم قدم الأجهزة.
بداية المعركة ودخول الجبهة
النمر يصف اللحظات الأولى: "دخلنا الجبهة يوم 12 أكتوبر بعد ستة أيام من بداية الحرب، كانت مهمتنا أن نكون على بعد حوالي 4 كيلومترات من العدو لنضمن فاعلية أجهزة الإعاقة".
وذكر النمر كيف رصدوا الطيران المعادي لأول مرة، وشعروا بمزيج من الفرحة والخوف، وأوضح أن كونهم في سلاح إلكتروني وليس سلاح تقليدي جعل التجربة مختلفة ومليئة بالتحدي.
الابتكارات الفردية وأفكار جديدة
النمر كشف عن فكرة تدمير خط برليف بالمياه: "الفكرة جاءت من فرد في سلاح المهندسين، استوحاها من السد العالي، وقدمها مباشرة للرئيس السادات، وتم تجربتها في مواقع التدريب قبل تنفيذها".
كما تطرق إلى القنابل البلي وTNT، مؤكدًا أن النصر جاء بفضل التخطيط والدقة في التحركات، وأنهم نجوا بمعجزة من ضربات مباشرة.
صعوبات الجبهة في الحفر والتمويه
النمر أوضح: "قضينا أسبوع كامل نحفر ملجأ برميلي في جبل الشلوفة، نزلنا 40 سم في أسبوع، وكان العمل صعب جدًا، لكن بالإصرار والصبر تمكنّا من الاستمرار".
وأضاف أن سلاح المهندسين حفر الدشم التي وفرت الحماية، وأن الخبراء الروس كانوا مذهولين من سرعة وكفاءة الجنود المصريين في تركيب وتشغيل الأجهزة.
قصص النجاة والمعجزات
حكى النمر واحدة من أبرز القصص المعجزة وقال: "الصاروخ جاء مباشرًا على عربيتنا، لكن الرعاية الإلهية حفظت الجميع، وتم إنقاذ جهاز واحد فقط من بين أربعة، ومع ذلك استمر في أداء وظائفه بالكامل".
وأشار إلى أن المصاحف والقواميس بقيت سليمة تقريبًا بعد الانفجار، مما أعطاهم شعورًا بالطمأنينة وسط الفوضى.
مواجهة أبو جاموس: مدفع العدو العملاق
النمر وصف المدفع الإسرائيلي الشهير: "كان مدفع المدى بتاعه حوالي 40 كيلو، يسمونه "أبو جاموس" كنا نسمع صوت طلقة، صفارتها، ثم الانفجار بعدها، وكل شيء كان محسوبًا بعناية، يوميًا، مع عمل سلاح المهندسين لحفر الدشم، زال الخوف تدريجيًا واستعدينا لمواجهة التحديات".
وعن التعامل مع القنابل والذخيرة قال: "قنابل العدو كانت موزعة بشكل هندسي، بين القنبلة والأخرى 3 أمتار، وبتنفجر بطريقة تجعل تأثيرها يغطّي مساحة واسعة، برغم كل هذا، من اتبع تعليمات سعد الشاذلي نجى، ومن لم يطبقها تعرض للخطر".
وذكر النمر أن سرعة رد الفعل والتصرف أثناء المعركة كانت حاسمة في النجاة، وأن الشجاعة والإيمان كانوا أساسيين.
الحياة اليومية والمعنويات على الجبهة
النمر شدد على أهمية التحضير النفسي وقال: "كان الأكل والعيش يوصلوا لنا سخنين، وكل شيء كان معدًا لتقوية الروح المعنوية، بالرغم من الظروف الصعبة، تمكنا من التأقلم ومواجهة المخاطر اليومية، من صواريخ العدو، إلى انفجارات الذخيرة والوقود القريب منا".
الانتصار العظيم
روى النمر لحظات الانتصار قائلًا: "برغم كل الصعوبات والتحديات، وبالرغم من التكنولوجيا القديمة والخطر المستمر، تمكنا من تنفيذ مهامنا بكفاءة، وحققنا الانتصار العظيم في حرب أكتوبر، كانت تجربة تعلمنا الصبر، التضحية، والإيمان بأننا لسنا وحدنا في المعركة".
محمد النمر يقدم شهادة نادرة عن أسرار الحرب الإلكترونية المصرية، ومواقف الجندي المصري في ظل المعارك، مقدمًا صورة حية لشجاعة الجنود وابتكاراتهم في مواجهة التحديات.