أثار قرار الحكومة السورية إلغاء عطلة حرب السادس من أكتوبر وعيد الشهداء جدلًا واسعًا داخل سوريا وخارجها، وسط تساؤلات حول دوافع الخطوة وتوقيتها، خاصة أنها جاءت بالتزامن مع احتفالات مصر بالذكرى الثانية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة.

حرب أكتوبر.. رمز التضامن العربي

تُعد حرب السادس من أكتوبر عام 1973 واحدة من أعظم لحظات التضامن العربي في التاريخ الحديث، إذ لعبت سوريا دورًا مهمًا في مساندة مصر خلال الحرب لاستعادة الأراضي المحتلة من إسرائيل، في معركة أعادت للأمة العربية الثقة والكرامة بعد سنوات من النكسة.

وعلى مدار العقود الماضية، حرصت سوريا – في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ثم في عهد نجله بشار الأسد – على إحياء ذكرى السادس من أكتوبر باعتبارها يومًا وطنيًا يرمز إلى روح الدعم العربي المشترك والتكاتف بين مصر وسوريا في مواجهة الاحتلال، وظلت المناسبة تُعَد عطلة رسمية تُغلق فيها مؤسسات الدولة احتفاءً بذكرى النصر.

وكانت سوريا تعتبر عطلة السادس من أكتوبر رمزًا لانتصارها ومساندتها لمصر في حرب 1973 ضد إسرائيل، حيث ارتبط هذا اليوم في الوعي السوري والعربي بروح التضامن والانتصار المشترك.

سياق سياسي وإقليمي حساس

وكانت إسرائيل في عام 2024 قد أعلنت أن منطقة الجولان أرض تابعة لها، وهو ما قوبل بموجة إدانات واسعة من عدد من الأحزاب والقوى السياسية المصرية التي أكدت أن هذا الموقف يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واعتداءً على سيادة الدولة السورية.

وشددت تلك القوى حينها على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات لتقسيمها أو التدخل في شؤونها الداخلية، مثمنة الموقف المصري الداعم لوحدة سوريا واستقرارها.

مرسوم جديد يُلغي عطلة أكتوبر وعيد الشهداء

وفي تطور مفاجئ أثار جدلاً واسعاً، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس الأحد، المرسوم الجمهوري رقم 188 لعام 2025، الذي يقضي بإعادة تنظيم العطلات والإجازات الرسمية في الدولة.

وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فإن المرسوم جاء لتحديد الأعياد الرسمية التي يستفيد منها العاملون في الدولة بأجر كامل، مع إلغاء عدد من العطلات التي كانت معمولاً بها سابقاً، من بينها عطلة حرب السادس من أكتوبر وعيد الشهداء، وهما من أبرز المناسبات الوطنية في الذاكرة السورية.

وكانت عطلة السادس من أكتوبر تُعد رمزًا لانتصار الجيش السوري في حرب 1973 ضد إسرائيل، فيما مثّل عيد الشهداء مناسبة وطنية لتكريم من ضحّوا بحياتهم في سبيل الاستقلال، ما جعل القرار الجديد مثار تساؤلات حول دلالاته وتوقيته.

وجاء في نص المرسوم أن العطل الرسمية المعتمدة أصبحت تشمل أعياد الفطر والأضحى، رأس السنة الهجرية والميلادية، المولد النبوي الشريف، عيد الأم، عيد العمال، إضافة إلى أعياد الميلاد والفصح للطوائف المسيحية، إلى جانب عدد محدود من المناسبات الوطنية مثل عيد الجلاء وعيد الثورة السورية وعيد التحرير.

كما نص المرسوم على إلغاء العمل بالقرار السابق رقم (474) لعام 2004، مع التأكيد على مراعاة الجهات التي تتطلب طبيعة عملها الاستمرار خلال الإجازات الرسمية، وإصدار بلاغ لاحق لتحديد تواريخ الأعياد المتغيرة.

جدل وتحليلات سياسية

فتح القرار الباب أمام جدل سياسي وشعبي واسع حول دلالاته، حيث اعتبر عدد من الخبراء والدبلوماسيين أن الخطوة تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز كونها تعديلًا إداريًا.

السفير جمال بيومي: صفقة لا تشرف النظام السوري

قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن قرار إلغاء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر وعيد الشهداء في سوريا يحمل أبعادًا سياسية واضحة أكثر من كونه إجراءً إداريًا، مؤكدًا أن الخطوة «تعكس مساومات وصفقات بين القيادة السورية الحالية والحكومة الإسرائيلية».

وأوضح بيومي في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة"، أن التخلي عن إحياء ذكرى نصر تاريخي «أمر لا يليق بأي دولة حققت إنجازًا وطنيًا بهذا الحجم»، مشيرًا إلى أن «النظام السوري يبدو أنه يسعى لإرضاء بعض وجهات النظر الإسرائيلية والأمريكية في إطار تفاهمات سياسية معينة».

وأكد أن هذا القرار لا يعبر عن الشعب السوري، الذي وصفه بأنه «من أكثر الشعوب قربًا وودًا للشعب المصري»، مضيفًا: «العلاقات الشعبية بين مصر وسوريا ستظل قوية ومتينة، لكن على المستوى الرسمي ستعامل القاهرة النظام السوري بما يستحقه من موقف سياسي».

وشدد بيومي على أن إلغاء ذكرى أكتوبر لن يمحو التاريخ، قائلاً: «من يستطيع أن يُلغي التاريخ؟ الحلفاء ما زالوا يحتفلون بانتصارهم على ألمانيا رغم أنهم أصبحوا شركاء في الاتحاد الأوروبي، فلماذا تُلغى ذكرى الانتصار على العدو الإسرائيلي؟».

وختم مساعد وزير الخارجية الأسبق تصريحه بالتأكيد على أن القرار سيثير جدلًا واسعًا داخل سوريا، لأن «العالم العربي يدرك تمامًا أن القيادة السورية الحالية خاضعة بشكل أو بآخر لتأثيرات أمريكية وإسرائيلية، وتظن أن تلك التنازلات ستُبقيها على الكرسي».

دكتورة ضحى هلال: القرار خروج عن السرب العربي وخضوع للسردية الإسرائيلية

ومن جانبها، قالت الدكتورة ضحى هلال، الباحثة في الشؤون السياسية والدولية، إن توقيت إلغاء سوريا عطلة حرب السادس من أكتوبر، بالتزامن مع احتفالات الذكرى الثانية والخمسين للنصر المجيد، لا يمكن فهمه بحسن نية على الإطلاق، مشيرة إلى أن القرار يأتي في ظل سياقات إقليمية حساسة وتفاهمات سورية ـ إسرائيلية تم طرحها خلال الأسابيع الأخيرة.

وأضافت هلال، لـ"خمسة سياسة"، أن إلغاء العطلة لا يتماشى إلا مع الرؤية والسردية الإسرائيلية بشأن النصر المصري والعربي في أكتوبر، موضحة أن هذه الخطوة تُعد «محاولة لتفريغ الانتصار من رمزيته الوطنية والعربية».

وأكدت الباحثة أن حتى الحديث عن "هوية وطنية سورية جديدة" لا يبرر طمس التاريخ، قائلة: «الأمم لا تستقيم إلا بتخليد تاريخها، خاصة إذا كان بطوليًا ومشرّفًا مثل حرب أكتوبر، وخطورة هذا القرار تمتد إلى الأجيال المقبلة التي يُعاد تشكيل وعيها بمعزل عن بعدها العربي».

وشددت على أن حرب أكتوبر ليست نصرًا مصريًا فقط، بل انتصارًا عربيًا دوليًا فريدًا، إذ لم تحقق أي دولة أو كيان عربي إنجازًا مشابهًا في التاريخ الحديث.

وأشارت هلال إلى أن القرار قد يُفسَّر إقليميًا بأنه خروج من السرب العربي المشترك، ورسالة ضمنية بأن "المواجهة مع تل أبيب لم تعد أولوية لدى الإدارة السورية الحالية"، رغم التصعيدات والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة داخل العمق السوري.

وتساءلت الباحثة: «كيف سيتم تدريس حرب أكتوبر في المناهج السورية بعد هذا القرار؟ وهل ستظل جزءًا من التاريخ البطولي العربي والمصري والسوري؟»

واختتمت تصريحاتها بالقول إن الفترة المقبلة ستكشف بوضوح الدوافع الحقيقية وراء القرار، وستحدد ملامح سياسات دمشق الجديدة تجاه ذاتها وتجاه امتدادها العربي.

 ملامح المرحلة المقبلة

وبينما تلتزم السلطات السورية الصمت تجاه الانتقادات المتصاعدة، يبقى القرار مرآة لمعادلات إقليمية معقدة تتقاطع فيها السياسة بالتاريخ والهوية، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت دمشق تعيد فعلاً رسم ملامح ذاكرتها الوطنية والعربية.