تشهد جزيرة مدغشقر موجة احتجاجات غير مسبوقة تقودها فئة الشباب المعروفة باسم "جيل زد"، للمطالبة بإسقاط الرئيس أندري راجولينا، وسط تصاعد المخاوف من احتمال تدخل عسكري جديد يعيد البلاد إلى دائرة الانقلابات، بعد أن شهدت تجارب مشابهة في نيبال والمغرب وكينيا.

غضب شعبي متصاعد بسبب الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية

 

يواجه الرئيس راجولينا، الذي تولى السلطة عام 2009 بعد انقلاب عسكري رفع شعارات الإصلاح، غضبًا متزايدًا بسبب تفشي الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية.

وبحسب وكالة "رويترز"، بدأت الاحتجاجات بمطالب تتعلق بتحسين خدمات الكهرباء والمياه، قبل أن تتوسع لتشمل الدعوة إلى تغيير شامل في بنية الحكم.

 

محاولات حكومية للتهدئة ورفض شبابي للحوار

 

ورغم إقالة راجولينا لحكومته وإعلانه الاستعداد للحوار، فإن المظاهرات ما زالت مستمرة دون قيادة واضحة، مستلهمة تجارب الحركات الشبابية في نيبال وكينيا التي أجبرت حكوماتها على التراجع أو الاستقالة.

وأشارت الرئاسة إلى أن الحكومة دعت مرارًا إلى الحوار، لكنها لم تجد طرفًا منظمًا يمكنه التفاوض بشكل فعّال.

 

صعود راجولينا من بلدية العاصمة إلى رئاسة الدولة

 

بدأ راجولينا مسيرته السياسية عام 2007 حين انتُخب رئيسًا لبلدية العاصمة أنتاناناريفو، ودخل في صدام مع الرئيس مارك رافالومانانا بعد إغلاق قناته التلفزيونية عام 2008، واتهم الحكومة وقتها بالديكتاتورية.

وفي العام التالي، قاد انقلابًا عسكريًا أطاح بالرئيس وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، متعهدًا بتحسين مستوى المعيشة في البلاد.

 

وعود اقتصادية لم تتحقق وتفاقم الأزمات

 

رغم الوعود بالإصلاح، شهدت مدغشقر تراجعًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 45% بين عامي 1960 و2020 وفقًا للبنك الدولي.

ومع جائحة كورونا، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية، خاصة بعد ترويج راجولينا لمشروب عشبي قال إنه يعالج الفيروس دون أي دليل علمي.

وفي عام 2022، طرح الرئيس مشروعًا لتشجيع السياحة من خلال جلب حيوانات الزراف والفيلة من إفريقيا إلى الجزيرة، مستندًا إلى شهرة فيلم الرسوم المتحركة "مدغشقر"، غير أن المشروع لم يُنفذ.

 

أزمات المعيشة والفساد تشعل الشارع

 

أكدت كيتاكاندريانا رافيتوسون، نائبة رئيس منظمة الشفافية الدولية، أن الاحتجاجات نابعة من أزمات تمس أساس الحياة اليومية، إذ يعاني المواطنون من انقطاع الكهرباء وشح المياه، إضافة إلى تفشي الفساد الذي دمّر الثقة في المؤسسات العامة.

وقالت إن المواطنين "لا يجدون كهرباء لحفظ الأدوية ولا ماء للنظافة"، معتبرة أن هذه المعاناة اليومية كانت الشرارة وراء الحراك الشعبي.

 

مخاوف من انقلاب جديد

 

مع تصاعد التوتر، تتزايد التكهنات حول إمكانية وقوع انقلاب جديد في البلاد التي تمتلك تاريخًا طويلًا من الانقلابات العسكرية.

وحذّرت رافيتوسون من أن أي تدخل عسكري سيكون خطرًا وقد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية.

من جانبه، حذّر راجولينا الأسبوع الماضي من محاولات انقلاب أثناء وجوده خارج البلاد، بينما تتهم الرئاسة قوى المعارضة بالسعي لزعزعة الاستقرار واستغلال الاحتجاجات لتحقيق أهداف سياسية.

 

جيل زد بين الثورة والإصلاح

 

يطالب المتظاهرون الذين يطلقون على أنفسهم "حركة جيل زد" باستقالة الرئيس وحل اللجنة الانتخابية ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا، دون طرح رؤية واضحة للمرحلة المقبلة.

وترى رافيتوسون أن على الشباب استثمار هذا الزخم الشعبي لتشكيل قيادة بديلة تمنع البلاد من الانزلاق نحو اضطرابات جديدة أو انقلاب آخر.