ترتبط مصر وإسبانيا بعلاقات دبلوماسية وثقافية تمتد جذورها عبر عقود، شهدت تراكبًا بين مصالح سياسية واقتصادية وحركية ثقافية متبادلة، ما جعل من التعاون بين البلدين علاقة ذات بعد استراتيجي في حوض البحر المتوسط.
التاريخ الحديث للعلاقات بين القاهرة ومدريد يعكس نهجًا مستمرًا من التشاور والتعاون، بدأ بتبادل الزيارات الرسمية وتطوير آليات للتعاون الثنائي في مجالات متعددة.
على مدار السنوات الأخيرة تزايدت الديناميكية في العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، مع نمو واضح في التبادل التجاري والاستثمارات الإسبانية في مصر، حيث باتت إسبانيا شريكًا مهمًا في مشروعات البنية التحتية والطاقة والسياحة، وتوسع وجود شركات إسبانية راسخة تعمل في السوق المصرية.
هذا التوجه انعكس عمليًا عبر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم متبادلة تهدف إلى تعميق الشراكات الصناعية والتقنية بين القطاعين العام والخاص في البلدين.
من ضمن المواقف التي ربطت بين مصر وإسبانيا، اجتماع بين المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية مع ممثلي 13 شركة إسبانية لبحث فرص استثمار في مجالات المطارات والطاقة والنقل والبنية التحتية وتحلية المياه، ما يؤشر إلى الأهمية التي تضعها الشركات الإسبانية في السوق المصري.
كما أن الهيئة العربية للاستثمار في مصر وقّعت مذكرة تفاهم مع شركة إسبانية متخصصة في حلول الأعمال الزراعية لتعزيز التعاون في مشاريع زراعية مبتكرة، في خطوة نحو دعم الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
شهدت الفترة الأخيرة تحركًا دبلوماسيًا ملاحظًا تكلل بزيارات رفيعة المستوى أبرزها زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي لإسبانيا ورفعُ مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية، ثم زيارة ملك إسبانيا فيليبي السادس لمصر والتي صاحبتها فعاليات مثل ملتقى الأعمال المصري-الإسباني الذي ضم وزراء ومسؤولين ورجال أعمال من البلدين، ما أعطى دفعًا جديدًا للتعاون المشترك وفتحه لمجالات تمويلية واستثمارية إضافية.
هذه الزيارات أسهمت في ترسيخ ثقة متبادلة وفتحت قنوات جديدة للحوار الاقتصادي والتنسيق السياسي.
من مواقف سياسية واضحة أيضا، البيان المشترك الصادر خلال زيارة السيسي لإسبانيا في فبراير 2025، الذي أكد فيه الطرفان التزامهما بدعم الشراكة الأورو-متوسطية والتعاون في مجالات مثل التجارة والاستثمار والنقل والطاقة والزراعة والهجرة، وكذلك مساندة مصر في دورها الوسيط في القضايا الإنسانية مثل الأزمات في الشرق الأوسط، لا سيما غزة، وأهمية تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
على الصعيد الاقتصادي تبرز فرص واضحة للتكامل في قطاعات النقل والبنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة وإدارة التراث، حيث امتلكت الشركات الإسبانية خبرات طويلة في مجالات مثل إدارة المواقع الأثرية والطاقة وإدارة المشاريع الكبرى، بينما تمتلك مصر مقومات سياحية وتاريخية وبنية سوقية تجعل الشراكة مجدية للطرفين عند توطين الصناعة والتمويل.
كما أشرَت تقارير رسمية وإعلامية إلى أرقام تبادل واستثمارات تعكس اتساع التعاون ورغبة في تعزيزه خلال السنوات المقبلة.
العلاقات الثقافية والتعليمية شكلت جانبًا داعمًا لهذه الشراكة، فالإقبال على تعلم اللغة الإسبانية وتنفيذ برامج ثقافية مشتركة من خلال معهد ثيربانتس ومؤسسات ثقافية أخرى يعكس عمق التبادل الاجتماعي بين الشعبين ويعزز قواعد التعاون على مستوى المجتمع المدني والبحث العلمي، الأمر الذي يسهم في بناء جسور تفاهم طويلة الأمد.
لم تخلُ العلاقة من تحديات؛ فالتقلبات الاقتصادية العالمية والضغوط الجيوسياسية في المحيط الإقليمي تؤثر على حجم التبادل وتوقيته، ما يستلزم من البلدين تكثيف آليات تنسيق السياسات ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتمكين التبادل الصناعي والتقني على نحو يقلل أثر الشواغل الخارجية.
ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية والالتزامات الرسمية الأخيرة توضح سعيًا واضحًا لتحويل الإمكانات إلى نتائج ملموسة تستفيد منها الاقتصادات والمجتمعات في البلدين.
وتحمل الفترة الراهنة فرصة نادرة لتعزيز شراكة مصر-إسبانيا، شرط توطيد التعاون المؤسسي بين الحكومات والقطاع الخاص، وتيسير بيئة الأعمال، وتعظيم توطين المشروعات التقنية والصناعية داخل مصر، بحيث تترجم الزيارات والاتفاقيات إلى مشروعات ملموسة ترفع من قيم التبادل وتخدم خطط التنمية في البلدين.