شهدت القاهرة اليوم انعقاد الملتقى المصري الإسباني للأعمال، بتشريف جلالة الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا، والدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وعدد من الوزراء والمسؤولين من الجانبين، إلى جانب ممثلي القطاع الخاص المصري والإسباني، في مشهد يجسد عمق العلاقات بين البلدين والحرص المتبادل على دفع التعاون الاقتصادي والتجاري إلى آفاق أوسع.
وفي مستهل كلمته، نقل ملك إسبانيا تحياته لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، معربًا عن شكره وامتنانه لحفاوة الاستقبال ومأدبة العشاء التي أقامها الرئيس وقرينته على شرفه وشرف الملكة ليتيزيا بمنطقة الأهرامات، مؤكداً أنه شاهد رؤية جديدة تجمع بين التاريخ العريق والمستقبل المشترك الذي ينتظره البلدان.
وأشار الملك فيليبي السادس إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر وإسبانيا، والتي بدأت بخطواتها الأولى قبل أشهر قليلة مع زيارة الرئيس السيسي إلى مدريد، تتحول اليوم إلى واقع ملموس عبر هذا الملتقى، مؤكداً أن العلاقات بين البلدين علاقة ناضجة وديناميكية.
وأوضح أن حجم الصادرات الإسبانية إلى مصر بلغ 1.457 مليار يورو في عام 2024، بينما تجاوزت الواردات 1.6 مليار يورو، وهي أرقام تعكس الثقة المتبادلة وتؤكد الإمكانات الكبيرة للتوسع.
وأضاف أن الشركات الإسبانية الرائدة التي تعمل في مصر منذ عقود رسخت مكانتها، حيث يوجد أكثر من 60 شركة مستقرة تسهم بخبراتها في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، بينما تعمل شركات مصرية في إسبانيا بما يعكس الثقة المتبادلة ويسهم في الابتكار والقيمة المضافة.
وأكد جلالة الملك أن الشركات الإسبانية تشارك بفاعلية في المشروعات القومية العملاقة التي تنفذها مصر، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة، وشبكة القطارات فائقة السرعة، ومحطات معالجة المياه، والمتحف المصري الكبير، الذي يمثل أيقونة جديدة للثقافة والسياحة في مصر، مشيدًا بما تحققه الدولة المصرية من إنجازات تعود بالنفع المباشر على حياة ملايين المواطنين.
كما أشار إلى أن السياحة تعد نموذجًا واضحًا للتعاون بين البلدين، حيث نفذت إسبانيا، بالتعاون مع شركات مصرية، مشروعات لحماية المواقع الأثرية في الأقصر ومنطقة الأهرامات عبر منح إسبانية وتكنولوجيا حديثة، وهو ما يسهم في تعزيز قطاع السياحة الذي يعد من الركائز الرئيسة للاقتصاد المصري.
وتطرق الملك فيليبي السادس إلى أهمية التعاون في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، مشيرا إلى أن الرقمنة والابتكار والتحول في نماذج الإنتاج تتطلب استجابات مشتركة، مؤكدا أن التعاون بين المؤسسات العامة والقطاع الخاص هو السبيل لتحقيق النجاح.
كما أشاد بالإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر، مشدداً على أن إسبانيا تتابع هذا المسار باهتمام وتشارك فيه كشريك موثوق، في مجالات تشمل التحول الرقمي والطاقة والنقل المستدام والتدريب المهني، ومؤكداً أن هذا اللقاء يمثل فرصة لتعزيز الروابط الاقتصادية وبناء مستقبل أفضل للشعبين.
وفي إطار الملتقى، شهد الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، توقيع ثلاثة عقود جديدة بين الهيئة القومية للأنفاق وشركة كاف الإسبانية، تشمل أعمال صيانة 23 قطاراً بالخط الأول لمترو الأنفاق، وتحديث وإعادة تأهيل وصيانة 39 قطاراً بالخط الثاني.
وأكد الوزير أن هذه العقود تأتي ضمن خطة الدولة لتطوير شبكة مترو القاهرة الكبرى، حيث سيتم تنفيذ أعمال الصيانة وإعادة التأهيل داخل مصر بنسبة مشاركة عمالية محلية تصل إلى أكثر من 95%، وبتمويل من موازنة الهيئة القومية للأنفاق وبالجنيه المصري، إلى جانب الاتفاق على توطين صناعة المكونات وقطع الغيار في مصر بالتعاون مع الشركات الإسبانية.
وشدد الوزير على أن هذه الخطوة تعكس حرص الدولة على رفع كفاءة القطارات العاملة منذ تسعينيات القرن الماضي، وإطالة عمرها التشغيلي بما لا يقل عن 20 عامًا إضافية، مع تنفيذ برنامج صيانة شامل لمدة 10 سنوات لضمان التشغيل الآمن والمنتظم.
وأكد أن هذه العقود تمثل امتدادًا للتعاون المثمر مع إسبانيا، وتجسد ثقة مصر في الشركات الإسبانية كشريك استراتيجي في مجال النقل، بما يسهم في نقل التكنولوجيا الحديثة وتدريب الكوادر المصرية على أعلى المستويات.
وعلى هامش الملتقى، التقى الفريق كامل الوزير بوزيرة الدولة الإسبانية لشئون التجارة، حيث جرى التأكيد على قوة العلاقات بين البلدين، والاتفاق على مواصلة التعاون في قطاعات النقل والصناعة، فيما وجه الوزير الشكر للجانب الإسباني على الدعم الكبير في إتمام العقود الجديدة.
بهذا، عكست فعاليات الملتقى المصري الإسباني للأعمال متانة العلاقات بين البلدين، والحرص المتبادل على الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي إلى شراكة استراتيجية راسخة قوامها الثقة والاحترام المتبادل، وتستند إلى مشروعات استثمارية وتنموية تسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في مصر، مع فتح آفاق أوسع للشركات المصرية والإسبانية للعمل معًا من أجل مستقبل أفضل للشعبين.