يواصل سعر الجنيه المصري ارتفاعه أمام الدولار، مسجلاً أفضل مستوى له في 9 أشهر رغم ارتفاع الدولار اليوم مستفيدا من قرار الفيدرالي الأمريكي أمس بتثبيت الفائدة.
ويري الدكتور سمير رؤوف الخبير الاقتصادي أن حركة الجنيه أمام الدولار تخضع لعدة عوامل داخلية مثل التوسع في المشروعات الزراعية ونمو حركة السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، بالإضافة إلى عوامل خارجية مثل الوضع الجيوسياسي وحركة الدولار أمام سلة العملات الرئيسية.
ويتحرك سعر صرف الجنيه المصري في حركة عكسية مقابل عملتي اليورو والدولار، إذ يرتفع الجنيه مقابل الدولار، بينما ينخفض الجنيه أمام اليورو.
الجنيه والعملات الرئيسة
ومنذ بداية العام الجاري، سجل الجنيه المصري انخفاضا أمام اليورو بنسبة 11% تقريبا، بينما ارتفع أمام الدولار بنسبة تصل إلى 4%.
توضح حركة الجنيه المصري أمام الدولار واليورو، أن ارتفاع الجنيه أمام الدولار في الفترة الأخيرة يرجع إلى انخفاض الدولار بالإضافة إلى عوامل أخر، لكن يبقى العامل الأكبر هو حركة مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية.
انخفض مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني بنسبة 4% على مدار عام، وهي تقريبا نفس نسبه انخفاضه امام الجنيه المصري.
وصل مؤشر الدولار إلى قمته في نهاية ديسمبر الماضي، متخطيا 109 نقطة، وهي نفس الفترة التي تخطى فيه الدولار مقابل الجنيه 51 جنيها.
تحويلات المصريين بالخارج
وزادت حصيلة تحويلات المصريين في الخارج، بأكثر من 50% بعدما وصلت إلى أدنى مستوياتها في 2023، متأثرة بالفجوة الكبيرة في السوق الموازية.
وحققت تحويلات المصـريين العاملين بالخارج خلال الفترة من يوليو 2024 إلى أبريل الماضي قفزة غير مسبوقة، حسب بيانات البنك المركزي، بنسبة 77% لتصل إلى 29.4 مليار دولار مقابل 16.6 مليار دولار خلال ذات الفترة من العام المالي السابق.
وارتفعت تحويلات شهر إبريل 2025 بمعدل 39.0% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 3.0 مليار دولار مقابل نحو 2.2 مليار دولار للعام السابق.
الخير الاقتصادي أبو بكر الديب، يشدد على أهمية تحويلات المصريين في الخارج لاستقرار سعر الصرف، وأن تحسن سعر الصرف الرسمي يدفع العاملين في الخارج لاتباع القنوات الشرعية في تغيير العملة، بينما شهدت السوق الموازية فجوة كبيرة قبل إصلاحات مارس واتجهت نسبة كبيرة للسوق السوداء بسبب فارق السعر.
وتتفق معه الدكتورة هدى الملاح، رئيس المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، في تصريح خاص لـ "خمسة سياسة"، لافتة إلى ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بشكل ملحوظ لتصل إلى نحو 32.8 مليار دولار خلال 11 شهرًا من العام المالي 2024/2025، مما يجعلها مصدرًا حيويًا للنقد الأجنبي.
وأوضحت أن القضاء على السوق السوداء بفضل الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، وعلى رأسها توحيد سعر الصرف، أدت إلى القضاء نهائيًا على السوق الموازية للدولار، مما ساهم في استقرار السوق وزيادة المعروض من العملة الصعبة في القنوات الرسمية.
الصادرت المصرية
نمت الصادرات المصرية خلال السنوات الأربع الماضية بشكل مستمر، لتسجل أعلى زيادة لها العام الماضي 2024، بأكثر من 40 مليار دولار، مقابل 35 مليار دولار لعام 2023، حيث شهدت الصادرات المصرية إلى الدول العربية ارتفاعًا بنسبة 18% في عام 2024، لتصل إلى 16.2 مليار دولار.
كما زادت الصادرات الزراعية بنسبة 9.3% لتصل إلى 4.13 مليار دولار، وتصدرت الموالح والبطاطس والبصل قائمة الصادرات الزراعية.
السياحة
ونمت الإيرادات من السياحة، لتسجل رقما تاريخيا عند 15.3 مليار دولار للعام الماضي، بعدما بزيادة 9% عن العام 2023، الذي سجل 14 مليار دولار.
وتبقى إيرادات السياحة، عُرضة للتقلبات الدولية والجوائح، مثلما انخفضت تماما في عام 2020 متأثرة بجائحة كورونا، وما إن بدأت تتعافى حتى تأثرة مرة أخرى بالحرب الروسية الأوكرانية.
يقول الديب إن السياحة الروسية والأوروبية تعافت جزئيًا، وبرزت أسواق جديدة كالهند والسوق الصينية بشكل تدريجي، رغم ذلك، تظل عرضة للتقلبات الجيوسياسية مثل حرب غزة أو تهديدات البحر الأحمر.
تحسن مؤقت أم بداية استقرار ؟
ويؤكد الدكتور سمير رؤوف أن قوة العملة المحلية تستلزم عوامل داخلية تمتص الصدمات الخارجية مثل الاعتماد قدر الإمكان على المنتج المحلي وتقليص فجوة الواردات والصادرات خاصة في السلع فمن يمتلك غذاءه ينجو من الحرب الاقتصادية.
وأوضح أن مصر نفذت برنامج طروحات في البورصة يستوعبها السوق، وفي ظل المؤشرات المالية من نمو السياحة والصادرات وتحويلات المصريين في الخارج وبرنامج الطروحات الحكومية، قد نرى الدولار ينخفض إلى 47.6 في نهاية العام الجاري.
وتقول الدكتورة هدى الملاح، إن الفترة الأخيرة شهدت تدفقات استثمارية أجنبية كبيرة، من أبرزها مشروع "رأس الحكمة" الذي يُعد أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، حيث يضخ استثمارات تصل إلى 150 مليار دولار على مدار عمر المشروع.
وتشير إلى أن هناك اهتمام متزايد من مستثمرين من السعودية، الإمارات، قطر، الصين، وتركيا بقطاعات حيوية كالغزل والنسيج، صناعة السيارات، الصناعات الهندسية، والأجهزة المنزلية.
ولفتت إلى عمل مصر على مشروعات واعدة تساهم في جذب العملة الصعبة، مثل مدينة طربول الصناعية، وهي مدينة ذكية وخضراء تقع في موقع استراتيجي بمحافظة الجيزة على مساحة ضخمة تصل إلى 109 ملايين متر مربع، ويهدف هذا المشروع إلى توطين الصناعة من خلال إنشاء 12 منطقة صناعية متخصصة، مما يحد من الاستيراد ويحافظ على الدولار.
بينما يرى أبو بكر الديب أنه رغم المؤشرات الاقتصادية الجيدة، لكن التحسن الأخير في سعر صرف الجنيه يعكس عوامل وقتية ولا يمكن اعتباره تحولًا مستدامًا ما لم يشهد الاقتصاد تحسنًا هيكليًا حقيقيًا في إنتاج القيمة المضافة وزيادة الصادرات وتحفيز تحويلات المصريين بالخارج وتعزيز الثقة في الجهاز المصرفي.
وأوضح ان ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار تحسن مؤقت، مدفوع بعوامل استثنائية مثل دخول شرائح تمويلية من صندوق النقد وشركاء آخرين، والاتفاق على تأجيل بعض الالتزامات الدولارية، لكن إن لم يتحول إلى تحسن هيكلي في مصادر العملة الصعبة (إنتاج، تصدير، جذب استثمارات حقيقية، إصلاح ضريبي ومصرفي)، فإن أي استقرار سيظل هشًا.