تُعتبر الرياضة في كثير من الدول أكثر من مجرد نشاط بدني أو منافسة ترفيهية، فهي ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية تلعب دورًا مهمًا في بناء الهوية الوطنية وترسيخ روح الانتماء لدى الشعوب، فـ الملاعب لم تعد فضاءً للتشجيع فقط، بل تحولت إلى ساحات تُصاغ فيها مشاعر الفخر والولاء الوطني، وتتجسد فيها صورة الأمة أمام نفسها وأمام الآخرين.
الرياضة تمثل وسيلة فعّالة لتعزيز الوحدة الوطنية
منذ بداية القرن العشرين، أدركت الدول أن الرياضة تمثل وسيلة فعّالة لتعزيز الوحدة الوطنية، الانتصارات الرياضية غالبًا ما تُستغل كرمز لقوة الأمة وقدرتها على مواجهة التحديات، في مصر على سبيل المثال، لعب المنتخب الوطني لكرة القدم دورًا بارزًا في تشكيل شعور جماعي بالانتماء، خصوصًا خلال فترة البطولات المتتالية بين 2006 و2010، الملايين الذين احتفلوا في الشوارع لم يكونوا يعبّرون فقط عن فرحتهم بالفوز، بل عن شعور عميق بالانتماء إلى وطن يتوحد في لحظة مشتركة.
إنجاز المنتخب في كأس العالم 2022
وفي المغرب، حمل إنجاز المنتخب في كأس العالم 2022 دلالات أكبر من مجرد نجاح رياضي. وصول "أسود الأطلس" إلى نصف النهائي اعتُبر حدثًا تاريخيًا عزز الفخر الوطني ورسّخ صورة المغرب كدولة صاعدة على المستويين الإقليمي والعالمي، الجماهير رفعت الأعلام نفسها التي تُرفع في المناسبات السياسية، ورددت الأغاني الوطنية في الملاعب، لتختفي الحدود بين الرياضة والسياسة وتبرز الهوية الوطنية في أوضح صورها.
الهوية الرياضية تتجلى أيضًا في حالات تاريخية أخرى، مثل منتخب جنوب إفريقيا للرغبي عام 1995، حين فاز بكأس العالم بعد انتهاء حقبة الفصل العنصري، ذلك الفوز لم يكن مجرد بطولة، بل رمزًا للمصالحة الوطنية في بلد خرج لتوه من عقود من الانقسام. الرئيس نيلسون مانديلا نفسه ارتدى قميص المنتخب، في صورة أصبحت أيقونة عالمية لمعنى الوحدة عبر الرياضة.
وتبقى الرياضة واحدة من أبرز أدوات "القوة الناعمة" للدول. فهي قادرة على تجاوز الانقسامات الداخلية، وربط الأجيال الجديدة ببلادها، وصناعة صور إيجابية تُصدَّر للعالم.
وتُظهر التجارب العالمية أن الرياضة ليست مجرد لعبة، بل ركيزة أساسية في تشكيل وصيانة الهوية الوطنية، وبينما قد تتغير الظروف السياسية والاقتصادية، يبقى الانتصار الرياضي لحظة نادرة توحّد الشعوب حول فكرة الوطن.