في خطوة تعكس تطورًا نوعيًا في العلاقة بين المواطن ومؤسسات إنفاذ القانون، أصدرت النيابة العامة تعليمات بتخصيص رقم عبر تطبيق "واتساب" لتلقي البلاغات الموثقة بمقاطع الفيديو التي ترصد جرائم أو انتهاكات تم ارتكابها. 

القرار أثار ردود فعل واسعة بين المشرعين والخبراء القانونيين والأمنيين، وفتح بابًا واسعًا للنقاش حول أثر هذه الآلية على العدالة والأمن المجتمعي، وحدود استخدام التكنولوجيا دون المساس بالخصوصية.

برلمانية: تعاون لردع الجريمة

من جهتها، أشادت النائبة الدكتورة مرفت عبدالعظيم، عضوة مجلس النواب، بالقرار واعتبرته "طفرة حقيقية في مسار العدالة الناجزة، وتجسيدًا عمليًا للتكامل بين المواطن ومؤسسات الدولة في حماية المجتمع واستقراره".

وأوضحت النائبة في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" أن هذه الخطوة تمنح المواطنين فرصة لتقديم أدلة بالصوت والصورة والتاريخ لجرائم مثل السرقة والتعدي على المال العام، والأخطر منها الجرائم التي تهدد الأمن القومي، موضحة أن ما يطمئن في هذه المنظومة هو وجود لجنة متخصصة لفحص صحة وجدية البلاغات، مما يغلق الباب أمام البلاغات الكيدية أو محاولات التشهير.

وشددت عضوة مجلس النواب على أن النيابة العامة، بصفتها أحد أركان منظومة العدالة، حريصة على حماية الخصوصية والأمان المجتمعي، مؤكدة أن هذا القرار رسالة ردع قوية لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب الجريمة علنًا.

ودعت لإطلاق حملات توعية موازية لتعريف المواطنين بكيفية الإبلاغ، وتوثيق المقاطع بشكل قانوني دون الإضرار بأي طرف أو انتهاك للخصوصية، مشيرة إلى أن هذه الآلية لا تقتصر على رصد الجريمة بعد وقوعها، بل تسهم في الوقاية منها عبر إشعار المجرمين بأن المجتمع كله يراقب، وأن الإفلات من العقاب أصبح أكثر صعوبة.

خبير قانوني: حق دستوري لكن لا يبرر التعدي على الخصوصية

بينما شدد المستشار القانوني الهيثم هاشم سعد على أهمية التفرقة بين الإبلاغ المشروع عن الجرائم، وانتهاك خصوصية الآخرين تحت ذريعة التصوير أو التوثيق.

وقال "سعد"، في تصريح خاص لموقع "خمسة سياسة"، إن الدستور وقانون الإجراءات الجنائية يتيحان للمواطن الإبلاغ عن أي مخالفة، كما تنص المادة 25 من القانون، لكن مع ظهور الجرائم الرقمية، أصبح هناك ضرورة لضبط العلاقة بين التوثيق والمساس بالخصوصية.

وأوضح أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 وضع هذا الإطار بوضوح، مطالبًا المواطنين بالتحلي بالوعي القانوني، مشيرا إلى أنه من حق المواطن أن يكون إيجابيًا، لكن عليه أن يحذر من وضع نفسه تحت طائلة القانون إذا خالف شروط الاستخدام المشروع.

وأكد أن تعليمات النائب العام تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، تعزز من أدوات الدولة في مواجهة الجريمة، وتمنح المواطن دورًا أكبر في حماية أمنه ومجتمعه.

وأشار "سعد" ‘إلى أن النيابة العامة بهذا القرار لا توسّع فقط من أدواتها التقنية، بل تمنح المواطن دورًا محوريًا في منظومة الأمن، لكنها في الوقت نفسه تُلزمه بالمسؤولية والدقة، محذرًا من الاستخدام العشوائي أو المتسرع لمثل هذه الوسائل، مؤكدًا على ضرورة تطوير تشريعي موازٍ يضمن حماية الخصوصية، دون أن يقيد قدرة الدولة على مواجهة الجرائم الحديثة.

وفي سياق متصل أكد الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن قرار النيابة العامة الأخير يجب النظر إليه من زاويتين: أولاهما تفعيل الإيجابية المجتمعية، من خلال تشجيع المواطنين على المشاركة في دعم الأمن والاستقرار ومجابهة الجريمة باستخدام القنوات القانونية، بشرط الالتزام بالمصداقية والثقة والأمانة، وعدم استغلال هذا المسار لتصفية الحسابات أو إطلاق الادعاءات الكاذبة.

وأوضح "قناوي" في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة"، أن القرار رغم تأخره إلا أنه خطوة جيدة تسهم في تعزيز النضج المجتمعي، وتدعم الأجهزة المعنية في أداء دورها في مكافحة الجريمة وترسيخ الاستقرار. لكنه في الوقت نفسه أبدى تخوفه من الاستخدام السلبي للقرار، عبر استغلاله في تصوير مقاطع مجتزأة أو مبتورة تفتقر للسياق الكامل، وهو ما قد يؤدي إلى ظلم بعض الأشخاص.

وأشار إلى أن الضمانة الأساسية في هذا الإطار تكمن في خضوع تلك المقاطع للفحص من قبل مختصين، مؤكداً أن النيابة العامة وحدها هي صاحبة الحق الأصيل في الإحالة  بعد التحقق من صحة الوقائع عن طريق التحريات التى تجريها وزارة الداخلية. كما أشار إلى أن بعض الجرائم – مثل الابتزاز أو التهديد أو التحرش – قد لا تكتمل أركانها المادية، لكن وجود تسجيل مرئي موثّق قد يكون داعماً قوياً في تحريك الإجراءات القانونية.

وشدد على أهمية دور النيابة العامة وتحريات الشرطة في التحقق من الوقائع والبلاغات، بما يسمح بفلترة المعلومات ومواجهة أي إساءة استخدام، داعياً إلى تفعيل الوعي المجتمعي وعدم الاكتفاء بالتصوير فقط، بل التدخل الإيجابي في كثير من الوقائع التي يمكن منع تطورها، مثل الاعتداءات أو التحرش في الأماكن العامة.

وختم "قناوي" حديثه بالتأكيد على أن هذه الخطوة يجب أن تتبعها خطوات أخرى للحفاظ على أمن المجتمع واستقراره، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب تكاتف الجميع وتفعيل روح المسؤولية المجتمعية.

   التقنية في خدمة العدالة.. بشرط الوعي والضوابط 

يُجمع الخبراء على أن تخصيص قناة تواصل رقمية بين النيابة العامة والمواطنين لاستقبال بلاغات الجريمة المصورة يُمثل خطوة متقدمة نحو عدالة أسرع وأكثر شمولًا، لكنه في الوقت نفسه يضع المواطن أمام مسؤولية مضاعفة: أن يكون جزءًا من الحل، لا سببًا في مشكلة جديدة عبر الإساءة أو التشهير أو انتهاك الحقوق.

وفي النهاية، يبقى النجاح مرهونًا بتكامل الوعي المجتمعي مع الضبط القانوني، وبتحول المواطن من مجرد شاهد صامت إلى طرف فاعل وشريك في أمن واستقرار الوطن.