كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في تقرير موسع مدعوم بوثائق سرية، أن أشرف مروان – صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والملقب بـ"الملاك" – لم يكن العميل المثالي لإسرائيل كما اعتقدت قيادتها لسنوات، بل كان رأس حربة خطة خداع استراتيجية مصرية ساهمت بشكل مباشر في نجاح حرب أكتوبر 1973.

العميل الذي تحول إلى "ملاك" داخل الموساد

بحسب ما نشرته الصحيفة، كان مروان يحظى بتقدير استثنائي داخل جهاز الموساد، حتى أن رئيس الجهاز حينها تسفي زامير تعامل معه بشكل مباشر، بل اعتبر نفسه نائبًا له، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ الجهاز.

المعلومات التي نقلها مروان – سواء عبر وثائق أصلية أو تقارير شفوية – وصلت كما هي إلى مكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، حيث اعتبراها معلومات مؤكدة وصحيحة.

تقارير متناقضة أربكت إسرائيل

تشير الوثائق إلى أن أشرف مروان قدّم منذ أوائل عام 1973 عشرات الإنذارات بخصوص حرب وشيكة، ثم عاد وألغاها أكثر من مرة.

في إحدى المرات تحدث عن هجوم محتمل في نهاية سبتمبر أو مطلع أكتوبر، لكنه سرعان ما سحب المعلومة.

وفي وقتٍ لاحق، أكد لإسرائيل أن السادات أجّل قرار الحرب إلى نهاية العام 1973، وهو ما جعل القيادة العسكرية والسياسية في تل أبيب تنفس الصعداء وتعتبر أن الخطر المباشر قد زال.

هذه المعلومات، التي جاءت بعد عام كامل من التحذيرات المتكررة، رسّخت حالة من الاطمئنان الزائف داخل إسرائيل، وأدخلت مؤسساتها الأمنية في حالة ارتباك.

خداع استراتيجي قبل 6 أكتوبر

كشفت الوثائق أن أخطر ما فعله مروان هو تضليل إسرائيل بموعد الهجوم المصري السوري، فقد أكد أن الهجوم سيكون قبيل غروب الشمس، بينما وقع الهجوم فعليًا في الثانية ظهرًا يوم السادس من أكتوبر 1973، الأمر الذي شكل مفاجأة كاملة للجيش الإسرائيلي على جبهتي سيناء والجولان.

وكان لهذه المعلومات الكاذبة ثلاثة آثار رئيسية:

1- دفعت رئيس الموساد للاعتقاد بعدم وجود خطر حرب قريب.

2- قوّضت ثقة قادة المخابرات بأنفسهم.

3- جعلت إسرائيل تتجاهل تحذيرات أخرى من مصادر مختلفة.

تجاهل اجتماعات مصيرية

الأخطر أن مروان كان حاضرًا في اجتماعات حاسمة قبل الحرب:

- اجتماع بين السادات والملك فيصل بن عبد العزيز قبل عشرة أيام من اندلاع المعركة، حيث أعلن السادات عزمه بدء الحرب في أقرب وقت.

- اجتماع السادات مع الرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق، قبل أيام قليلة من الهجوم.

ورغم ذلك، لم يبلغ الموساد بأي معلومة عن هذه اللقاءات، بل على العكس، أخبر قادته أن الزعماء العرب اتخذوا قرارًا مختلفًا تمامًا.

الدور في الساعات الأولى للحرب

ذكرت الصحيفة أن مروان لعب دورًا محوريًا في الساعات الأولى من يوم الحرب، إذ أوصى بتسريب أنباء عن استعداد الجيش المصري للهجوم عبر وسائل الإعلام العالمية، في محاولة لإرباك الخطة المصرية، لكن هذه التسريبات ساهمت في إضاعة وقت ثمين لإسرائيل قبل اندلاع الهجوم الفعلي.

تضليل مستمر بعد اندلاع الحرب

لم يتوقف خداع "الملاك" عند اندلاع الحرب، ففي اجتماع سري في باريس يوم 19 أكتوبر 1973 – أي بعد نحو أسبوعين من بدء الحرب – قدّم مروان معلومات مبالغًا فيها لمسؤول الموساد تسفي زامير، حيث ادّعى أن مصر تمتلك 400 صاروخ سكود موجهة إلى تل أبيب، وأن السادات يخطط لحرب طويلة الأمد، مدعيًا أن جنودًا مصريين يختبئون في "كل شجيرة" في دلتا النيل.

لكن التحقيق أكد أن هذه المعلومات كانت وهمية، إذ لم يكن لدى مصر سوى عدد محدود جدًا من صواريخ سكود.

التأثير على قرارات إسرائيل

أدت هذه الادعاءات المضللة إلى تأجيل عملية عسكرية إسرائيلية كان يخطط لها وزير الدفاع موشيه ديان، قبل أن يتم إلغاؤها لاحقًا.

كما دفعت القيادة السياسية في تل أبيب إلى الموافقة على وقف إطلاق نار سريع بشروط أكثر قبولًا لمصر، وهو ما اعتبره التقرير نتيجة مباشرة لخطة الخداع التي قادها مروان.

إعادة كتابة تاريخ "الملاك"

خلصت الصحيفة إلى أن الرواية الإسرائيلية التقليدية حول أشرف مروان باعتباره "أفضل جاسوس في تاريخ الموساد" لم تكن دقيقة، فالوثائق السرية الجديدة تؤكد أنه كان جزءًا من خطة استراتيجية مصرية هدفت إلى تضليل إسرائيل حتى اللحظة الأخيرة، وساهمت في المفاجأة العسكرية الكبرى يوم السادس من أكتوبر.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الوثائق، التي نُشرت لأول مرة ضمن آلاف الصفحات السرية، أثارت جدلًا واسعًا في كل من إسرائيل ومصر، وأعادت فتح ملف "الملاك" الذي ظل لعقود لغزًا استخباراتيًا يثير الانقسام بين القاهرة وتل أبيب.